Loading AI tools
عاصمة الجمهورية اللبنانية من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
بَيْرُوت هي العاصمة السياسية للجمهورية اللبنانية وأكبر مدنها. يتعدى عدد سكانها المليوني نسمة بحسب أحد إحصائيات سنة 2007.[6] تقع وسط الخط الساحلي اللبناني شرقي البحر الأبيض المتوسط. تتركَز فيها معظم المرافق الحيوية من صناعة وتجارة وخدمات. وهي مدينة قديمة وعريقة إذ ذكرت في رسائل تل العمارنة والمؤرخة إلى القرن الخامس عشر ما قبل الميلاد وهي مأهولة منذ ذلك الحين.
بيروت | |
---|---|
بيروت | |
منظر عام لشبه جزيرة بيروت في يوليو 2015. | |
علم بيروت | شعار بيروت |
خريطة لأبرز شوارع وأحياء بيروت. | |
اللقب | أم الشرائع، ست الدنيا، باريس الشرق |
تاريخ التأسيس | قرابة العام 5000 ق.م |
تقسيم إداري | |
البلد | لبنان (22 نوفمبر 1943–) [1][2] |
عاصمة لـ | |
المحافظة | محافظة بيروت |
المسؤولون | |
المحافظ | مروان عبود |
رئيس البلدية | عبد الله درويش[3] |
خصائص جغرافية | |
إحداثيات | 33°53′13″N 35°30′47″E [4] |
المساحة | 85 كم2 (32.8 ميل مربّع) كم² |
الارتفاع | 0 متر |
السكان | |
التعداد السكاني | بين 938,940 و2,012,000 نسمة نسمة (إحصاء 2007) |
الكثافة السكانية | 12,500 نسمة/كم2 (32,374.9 نسمة/ميل مربّع) |
معلومات أخرى | |
المدينة التوأم | |
التوقيت | EET (توقيت شرق أوروبا +2 غرينيتش) |
التوقيت الصيفي | +3 غرينيتش |
الرمز البريدي | 1100 حتى 1109 |
الرمز الهاتفي | 9611 |
الموقع الرسمي | |
الرمز الجغرافي | 276781[5] |
معرض صور بيروت - ويكيميديا كومنز | |
تعديل مصدري - تعديل |
بيروت هي مركز الثقل السياسي اللبناني حيث مقر معظم الدوائر السياسية مثل البرلمان ورئاسة الحكومة بالإضافة لمراكز معظم الوزارات والدوائر الحكومية. تلعب الدور الرئيسي في الحركة الاقتصادية اللبنانية. وتعد المدينة إحدى أهم المؤثرات الثقافية في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي لغناها بالأنشطة الثقافية مثل الصحافة الحرة والمسارح ودور النشر ومعارض الفنون والمتاحف وعدد كبير من الجامعات الدولية.
مرت المدينة بالعديد من الكوارث من زلازل وحروب على مر التاريخ كان أهمها الحرب الأهلية اللبنانية المدمرة. وبعد انتهاء الحرب سنة 1990، أعادت الدولة في عهد حكومة رئيس وزراء لبنان آنذاك رفيق الحريري إعمار وتأهيل المدينة وبخاصة وسطها التجاري[7][8][9] وواجهتها البحرية وملاهيها الليلية مما أعاد تألق سياحتها وجعلها مقصداً سياحياً جذاباً. قامت صحيفة النيويورك تايمز بمنح بيروت المركز الأول بين قائمة الأماكن التي ينبغي زيارتها في سنة 2009،[10] كما صُنّفت ضمن المدن العشرة الأوائل الأكثر حيوية في عام 2009 بواسطة دليل لونلي بلانت السياحي.[11] وفي عام 2020، مرّت بيروت بكارثة أُخرى حيث حصلَ انفجار ضخم في مرفأ المدينة مما خلف عشرات القتلى وآلاف الجرحى وتسبب بدمار كبير في عدد من أحيائها نتج عنه نزوح 300 ألف مواطن لبناني.
كشف مؤشر «ماستر كارد» لعام 2011، أن بيروت استأثرت بالمركز الثاني من حيث نسبة البذخ السياحي بين جميع مدن الشرق الأوسط وأفريقيا. أما المركز الأول فاحتلته دبي، التي بلغ مقدار ما صرفه فيها السوّاح حوالي 7.8 مليار دولار، تليها بيروت مباشرة بحوالي 6.5 مليارات دولار، ثم تل أبيب بحوالي 3.8 مليارات، ثم القاهرة (3.7 مليارات دولار)، فجوهانسبورغ (3.3 مليارات دولار). كذلك وُضعت بيروت في المرتبة التاسعة بين قائمة أكثر المدن زيارةً في العالم.
أقدم ذكر عبر الوثائق التاريخية لاسم بيروت ورد بلفظ «بيروتا» في ألواح تل العمارنة التي وجدت في مصر،[12] والتي تحوي مراسلات تمت بين ملوك جبيل والفرعون امينوفيس الرابع المعروف بأخناتون (مطلع القرن الرابع عشر ق.م.) ورد فيها اسم «بيروتا» وملكها «عمونيرا».[13] سماها الفنيقيون «بيريت» ँऀओक وهي كلمة فينيقية تعني الآبار. وقيل أنها كانت تدعى «بيريتيس» أو «بيروتوس» أو «بيرُووَه» نسبة للإلهة «بيروت»، أعز آلهة لبنان وصاحبة أدونيس إله جبيل.[14] وعُرفت المدينة باسم «بيريتوس» (باليونانية القديمة:βηρυτός) في الأدبيات الإغريقية. واعتمد هذا الاسم في دوريات الآثار المنشورة في الجامعة الأميركية في بيروت منذ 1934.[15]
وذكر أن «بيروت» بالمعنى السامي تعني «الصنوبر» لغابات الصنوبر[16]، بسبب وقوعها بالقرب من غابة صنوبر كبيرة هي اليوم ما يُعرف بحرش أو حرج بيروت. ومن الأسماء الأخرى التي دعيت بها منطقة بيروت هو: «لاذقية كنعان»، «مستوطنة جوليا أغسطس بيريتوس السعيدة»، «دربي»، «رديدون»، «باروت». ولقبت المدينة عبر العصور بالعديد من الألقاب منها: سماها الفينيقيون «بالمدينة الإلهة» و«بيروت الأبيّة والمجيدة»[17] لعنادها في مقارعة مدينة «صيدون» و«زهرة الشرق»،[18] وأطلق عليها الرومان «أم الشرائع» بسبب بناء أكبر معهد للقانون بالإمبراطورية فيها.[19] ونعتها العثمانيون «بالدرة الغالية».[20] في العصر الحديث خلدها نزار قباني بلقب «ست الدنيا».[21] وعرفت أيضا باسم «باريس الشرق» خلال فترة الستينات وأوائل السبعينات من القرن العشرين، أي خلال عهد الازدهار الاقتصادي في لبنان.
يعود تاريخ بيروت إلى أكثر من 5000 عام.[22][23][24][25] تدل أعمال الحفريات الأثرية في وسط بيروت على تنوع الحضارات التي مرت على المدينة، فقد عُثر على طبقات متعددة من الآثار الفينيقية والهيلينية والرومانية والعربية والعثمانية[26] التي تبعد عن بعضها بمسافة ضئيلة.
اكتشف الباحثون وعلماء الآثار عدّة مواقع أثرية تقع ضمن حدود المناطق التي تُشكّل مدينة بيروت المعاصرة، وكان معظم هذه المواقع يحتوي على أدوات صوّانية تعود لعهود متعاقبة تبدأ من العصرين الحجريين: القديم الوسيط والقديم العلوي، مرورًا بالعصر الحجري الحديث ووصولاً إلى العصر البرونزي. أما أبرز هذه المواقع فهي:
كما عُثر في مواقع أخرى،[30] أهمها موقعا البطركيّة والبرج، على بقايا فؤوس قديمة، وعلى قبور تعود لأواسط العصر البرونزي، في المنطقة الأخيرة، مما دفع الباحثين للقول أن «تل» بيروت القديم، أو المستعمرة البشرية الرئيسيّة، كانت تقوم في ذاك المكان.[35]
بُنيت بيروت من قبل أهل جبيل (بيبلوس) قبل أربعة آلاف سنة، وما لبثت أن كبرت وعمرت بالسكان وأصبحت مملكة مستقلة على الساحل الذي كان يُعرف باسم فينيقيا وعبد أهلها إلها خاصاً بها اسمه «بعل بيريت» أي إله أو سيّد بيروت، وضربت باسمها عملة نقديّة تحمل رسماً يمثل هذا الإله.[36] وأول إشارة لمدينة بيروت تعود للقرن الخامس عشر قبل الميلاد حيث ذكرت في رسائل تل العمارنة المسمارية التي ذكرت عن «عمونيرا» ملك «بيريت».[37] الذي أرسل ثلاث رسائل إلى الفرعون المصري.[38] كما ذكرت «بيريت» في رسائل «رب حدا» ملك جبيل. وأنشئت أول مستوطناتها على جزيرة وسط نهرها التي طُمرت عبر الأزمان.
خضعت بيروت لحكم المصريين بعد أن قام الفرعون تحتموس الثالث باحتلال الساحل الشرقي للبحر المتوسط أثناء طرده للهكسوس من مصر، وبعد المصريين قام كل من الآشوريين والكلدانيين والفرس بالسيطرة على فينيقيا ومنها بيروت، قبل أن يهزم الإسكندر الأكبر الفرس ويضم المدينة لإمبراطوريته. وفي سنة 140ق.م احتلها ودمرها «ديودوتوس تريفون»، الملك الهيليني، خلال صراعه مع «أنيوخس السابع» للسيطرة على عرش الدولة السلوقية. ومن ثم أعيد بناؤها على الطراز الهيليني وسميت «لاوديسيا الفينيقية» (باليونانية: Λαοδικεια ή του Φοινίκη) وفي بعض الأحيان «لاوديسيا الكنعانية». تقع المدينة اليوم على أنقاض تلك التي بناها اليونان، كما أظهرت الحفريات التي أعيد العمل بها بعد انتهاء الحرب الأهلية سنة 1991. وتشير إحدى الحفريات من سنة 1994 إلى أن شارع «سوق الطويلة» الحديث هو تطور لشارع هيليني أو روماني قديم.
واحتل بيروت الجنرال الروماني ماركوس أغريبا في عام 64 ق.م. وسماها «مستوطنة جوليا أغسطس بيريتوس السعيدة» (باللاتينية: Colonia Iulia Augusta Felix Berytus) تيمنا بجوليا بنت الإمبراطور أغسطس[39][40][41] ونظرا لأهمية المدينة تمركز فيها الفيلقان الرومانيان: المقدوني الخامس، والغالي الثالث مما حولها إلى جزء من الإمبراطورية الرومانية وبالتالي تمّ تعميرها وفقا للنمط المعماري الروماني، فبُنيت فيها الأبنية، من هياكل ومسارح وحمامات، ومؤسسات حكوميّة فخمة.
عرفت المدينة أزهى أيامها خلال عهد هيرودوس فأصبحت مدينة رومانية كاملة الحقوق في سنة 14 ق.م، ومنحت لقب المستمعرة الممتازة.[42] اشتهرت بيروت تحت الحكم الروماني بمدرسة القانون والتي استمرت بتدريس الحقوق لأكثر من 300 عام، وكانت في ذلك العهد مرجعاً لطلاب العلم من الوطنيين والأجانب. وهي المدرسة التي أكسبت المدينة في ذلك الحين للقب «أم الشرائع ومرضعة العلوم».[43] من أشهر مدرسيها الحقوقيين الفينيقيين «بابينيانوس» و«أولبيانوس»، الذين اشتهرا خلال حكم الأباطرة السيفريين، والذي كان عملهما أساس قانون جستنيان الأول المعروف «بالبندكتس». دُمرت المدرسة نتيجةً لموجة الزلازل التي ضربت بيروت في سنة551 للميلاد، فنقل طلابها إلى مدينة صيدون.[25][39][44][45] وقتل الزلزال 30,000 بيروتي و250,000 من سكان الساحل الفينيقي، الأمر الذي أفقد بيروت أهميتها خلال السنين المتبقية لها تحت حكم الروم البيزنطينين.
بعد حوالي مائة سنة من دمار المدينة، أي خلال سنة 635م، فتحها العرب بقيادة معاوية بن أبي سفيان في زمن خلافة عمر بن الخطاب ثاني الخلفاء الراشدين الذي أمر بترميمها وتحصينها بالقلاع لحمايتها من هجمات الروم الذين حاولوا عبثاً استعادتها عدة مرات.[46] وفي تلك الفترة لم تحظ بيروت بشهرة كبيرة وأهمية تذكر مثل تلك التي حظيت بها مدينة عكا كمركز تجاري في شرقي البحر المتوسط.
عندما ارتقى معاوية بن أبي سفيان سدة الخلافة الإسلاميّة جلب إلى بيروت قوماً من الفرس وأسكنهم فيها مثلما فعل بغيرها من مدن الساحل الشامي وبعلبك. كانت المدينة خلال عهد الخلفاء الراشدين والأمويين ثم العباسيين، تابعة لدمشق، واتخذها المسلمون في العهود المذكورة رباطاً، أي قاعدة عسكريّة، ومنها انطلقت الجيوش العربيّة التي حملها معاوية على الأسطول الذي فتح به جزيرة قبرص أيام عثمان بن عفان. وفي أيام أبي جعفر المنصور، ثاني الخلفاء العباسيين، ظهر فيها عدد من العلماء البارزين أهمهم عبد الرحمن الأَوزاعي، المعروف باسم «الإمام الأوزاعي» المتوفى سنة 773، وقبره ما يزال موجوداً بالقرب منها عند الجهة الجنوبيّة على ساحل البحر، في منطقة أصبحت تحمل اسمه، وهذا القبر كان وما يزال مقصداً للناس الذين يزورونه ويتبركون به.[42] استعاد ملك البيزنطيين «يوحنا زيميسياس» بيروت عام 974 ولبث فيها نحو سنة، ثم أخرجته منها القوات المصريّة التي أرسبها جوهر الصقلي في أيام العبيديين حكّام مصر في ذلك الحين، وفي زمنهم كانت هذه المدينة تابعة لدمشق المرتبطة رأساً بالقاهرة حاضرة الخلافة العبيديّة يومذاك.[47]
هاجمت جيوش الصليبيين بيروت سنة 1102، بالرغم من أنها لم تكن مهمة في ذلك الوقت، لكنها امتنعت عليهم وصدتهم، فلما كانت سنة 1110 أعادت هذه الجيوش الكرّة عليها بقيادة «بغدوين الأول» وتمكنت من احتلالها.[47] وبقي الصليبيون في المدينة حتى سنة 1291، وكانت في تلك الفترة تابعة لمملكة بيت المقدس وقد اعتمد ازدهارها في ذلك الوقت على حركة تبادلها التجاري مع أوروبا في البهارات. ومن أشهر القواد الصليبيين الذين حكموا بيروت، «يوحنا الأول سيد إبلين»، الملقب «بسيد بيروت العجوز» (1179–1236) الذي قام بترميم المدينة بعد المعارك المتعددة مع صلاح الدين الأيوبي، كما بنى قصر آل إبلين فيها.[48] استعاد صلاح الدين الأيوبي بيروت في سنة 1187، لكنها عادت إلى الصليبيين بعد حوالي عشرة أعوام، وبعد أن زالت الدولة الأيوبية وحلت مكانها دولة المماليك أرسل الملك الأشرف خليل ابن الملك قلاوون الصالحي جيشاً كبيراً إلى المدينة فاستعادها وجعلها تابعة لنيابة طرابلس الشام التي كانت مرتبطة رأساً بالقاهرة مقر السلطة المملوكيّة آنذاك.[47]
في سنة 1516 تغلب السلطان سليم الأول العُثماني على قنصوه الغوري سلطان المماليك وقضى عليه في معركة مرج دابق شمالي حلب، وتابع زحفه حتى احتل جميع بلاد الشام، ومن ذلك الحين دخلت بيروت في حوزة الدولة العثمانية وكان أول حاكم عُثماني فيها محمد بن قرقماز (قرقماز أوغلو) وهو جركسي.[46] حُكمت المدينة من قبل الأمراء الدروز، [49] تارة من بني عسّاف وتارة من بني سيفا،[50] ابتداءً من القرن السادس عشر، وفي تلك الفترة كانت بيروت مجرد قرية عادية، بعد أن قل فيها التجار وضعفت الأعمال الصناعية، والمهن البحرية، كالصيد وصناعة السفن وترميمها وتزويدها بالمؤن، وذلك إما لانتشار القراصنة في البحر المتوسط في ذلك الوقت، أو لانصراف الكثير من القوافل البحرية إلى الدوران حول إفريقيا عن طريق رأس الرجاء الصالح الذي اكتشف سنة 1498، فتحولت بذلك طريق التجارة مع الهند إليه بدلا من المرافئ اللبنانية.[51] وفي السنوات العشر الأخيرة من القرن السادس عشر للميلاد، تغلب الأمير فخر الدين بن معن على الأمير يوسف بن سيفا الذي كان حاكماً على مدينة طرابلس وبلاد كسروان ومدينة بيروت وانتزع منه المقاطعة الكسروانيّة وبيروت وطرد من هذه المدينة الآغا الذي كان متسلماً عليها من طرف ابن سيفا. وقام فخر الدين خلال القرن السابع عشر بالاعتناء بعمران المدينة بشكل كبير، فازدهرت وانفتحت على أوروبا في أيامه،[52] ومن المعالم التي أنشأها: البرج الذي عُرف فيما بعد باسم برج الكشاف، لأنه أستُعمل مرقباً لاستكشاف المراكب المعادية التي تحاول الإغارة على البلد، وإليه تنسب ساحة البرج الواقعة في الجهة الشرقية منه، والتي أصبحت تعرف اليوم بساحة الشهداء أو ساحة الحرية، وكذلك أنشأ الأمير قصراً له في بيروت بالاستعانة بخبرات بعض المهندسين الإيطاليين، وحديقة للحيوانات، وقام بزيادة عدد أشجار الصنوبر في حرج بيروت وتنسيق تلك الموجودة.[53] وبعد زوال الإمارة المعنية عادت بيروت لتتبع ولاية طرابلس من جديد.
في السنوات الأخيرة من القرن الثامن عشر شهدت بيروت صراعاً شديداً بين حاكمها الشهابي الأمير يوسف وبين أحد أتباعه أحمد باشا الجزار، عندما كان كل منهما يحاول الاستئثار بها وتعرضت خلال هذا الصراع لاحتلالها من قبل أميرال البحر «سبنسكوف» الروسي، الذي كان يقوم بأعمال القرصنة في المياه العثمانيّة لحساب إمبراطورة روسيا كاترين الثانية،[54] فلقد نصّب هذا القرصان مدافع في سهلات البرج ليتمكن من ضرب سور المدينة من قرب، ولهذا السبب أطلق الإفرنج على هذه السهلات اسم «ساحة المدفع»، ولكن احتلال الروس انتهى بعد شهور قليلة بعد أن دفعت لهم المدينة غرامة قدرها 25 ألف ريال بعملة ذلك الزمان. فعاد إليها الجزار وقبض على سيده السابق الأمير يوسف الشهابي بمعاونة ابن أخ الأخير، الأمير بشير الثاني الشهابي المشهور بالمالطي، وأعدمه سنة 1790 في مدينة عكا.[55] في أيام الجزار مُنع الشهابيون من الإقامة في بيروت، وهُدمت بيوتهم التي كانت فيها، كما مُنع أهل جبل لبنان من السكن في هذه المدينة التي ألحقها الوالي المذكور بمدينة عكا التي اتخذها مركزاً له باسم ولاية عكا. والجزار هو الذي بنى السور الذي كان يحيط بيروت من كافة أطرافها ومنع الناس من السكن خارجه، فسجل انخفاض في عدد سكان المدينة إلى 8,000 نسمة في تلك الفترة، وبقي هذا المنع سارياً حتى سنة 1832، ففي هذه السنة اقتحمها إبراهيم باشا بن محمد علي باشا وهدم السور وأباح بناء المساكن خارجه، فعاد لبيروت دورها المهم مرة أخرى.[42]
بقيت بيروت تحت الحكم المصري من سنة 1832 حتى 1841 وهي المدة التي بقيت فيها بلاد الشام في حوزة إبراهيم باشا. وفي هذه الفترة عرفت هذه المدينة تطوراً أساسيًا شمل سائر مرافقها العُمرانيّة والإداريّة، ونما عدد سكانها يومئذٍ من 8 آلاف نسمة إلى 15 ألفاً، وذلك بسبب امتداد رقعتها إلى خارج السور الذي أمر إبراهيم باشا بهدمه وسمح للناس ببناء مساكنهم في الضواحي التي أصبحت فيما بعد جزءاً من المدينة نفسها، كما ازدهرت أحوالها التجاريّة بسبب اختيارها مركزاً للحجر الصحي، الأمر الذي أجبر جميع القادمين إلى الشام على الخضوع له للتأكد من سلامتهم الصحيّة وخلوهم من الأمراض المعديّة.[56] وخلال عهد المصريين كان حاكم بيروت هو القائد في الجيش المصري سليمان باشا الفرنساوي. في سنة 1841 تمكنت الدولة العُثمانيّة من استعادة سيطرتها على بلاد الشام، فقاموا بنقل كرسي الولاية إليها وعيّنوا عليها والياً من قبلهم اسمه سليم باشا. وفي عهد هذا الوالي بدأت بيروت بالازدهار فازدادت عماراً وسكاناً، وانتقلت إليها تجارة الإفرنج، وعظم شأنها، وكثر مجيء المراكب الأوروبيّة إليها.[57] وخلال أحداث 1860 بين الدروز والمسيحيين، لجأ الكثير من الموارنة النصارى إلى بيروت هربا من المذابح في جبل لبنان ودمشق.[58]
خلال منتصف القرن التاسع عشر ازداد سكان بيروت وتوسعت المدينة لتتخطى أسوارها.[59] وفي خضم هذا التوسع قامت الإرساليات الغربية ومفكرو العالم العربي بتكوين المدينة. وأصبحت مركز الثقافة والفكر العربي ومركز تنوع عالمي بوجود الأوروبيين والأميركيين. فشركة المياه كانت بريطانية وشركة إمداد الغاز كانت فرنسية فيما أنشأ الأميركيون المدارس والجامعات ومن أشهرها الجامعة الأميركية في بيروت. واشتهرت فيها صناعات وتجارة الحرير. كما أنشأ الفرنسيون مرفأ بحريا عصريا في سنة 1894 ومدوا سكك الحديد بين بيروت ودمشق وحلب في سنة 1907. وكانت السفن الفرنسية تنقل البضائع بين بيروت ومارسيليا وسرعان ما أصبح للفرنسيين تأثير أكبر من أي دولة غربية أخرى، وفي تلك الفترة أخذ السكان يقتدون بالأوروبين في بعض نواحي عيشهم وفي ملبسهم. ونشرت موسوعة بريتانيكا أن توزيع سكان بيروت في سنة 1911 كان كالتالي: مسلمون (36,000 نسمة)، مسيحيون (77,000 نسمة)، يهود (2,500 نسمة)، دروز (400 نسمة)، أجانب (4,100 نسمة).[60]
خلال الحرب العالمية الأولى عصفت المجاعة والأمراض بجبل لبنان نتيجة لبعض التدابير العثمانية الضارة، وبسبب مجريات الحرب، وكنتيجة لهذا لجأ الكثير من أبناء الجبل إلى بيروت للحصول على لقمة عيشهم، وفي تلك الفترة قام بعض الوجهاء البيروتيين بتأسيس بعض الجمعيات التي أخذت على عاتقها تقديم المساعدات والإغاثات للجبليين مما خفف من وطأة الحرب عليهم.[61] وبتاريخ 8 أكتوبر 1918 سقطت المدينة من العثمانيين ووقعت بأيدي قوات الحلفاء بقيادة الجنرال إدموند ألنبي. وأعلنت عصبة الأمم بيروت خاضعة للانتداب الفرنسي مع بقية مناطق جبل لبنان، البقاع وسوريا الكبرى. ثم أعلنها الفرنسيون في 1920 عاصمة لدولة لبنان الكبير، والتي أصبحت الجمهورية اللبنانية في سنة 1926 ولكن لم تنل استقلالها إلا في سنة 1943. وازدهرت بيروت خلال فترة الاستقلال وأصبحت نقطة استقطاب ثقافي واقتصادي لكل محيطها. فأصبحت بمثابة البلد الثاني أو المصيف للعديد من مواطني العالم العربي. وشهدت بيروت اضطرابات لفترة بسيطة سنة 1958 زمن الرئيس كميل شمعون بسبب الصراع حول حلف بغداد، وخلال فترة الستينات من القرن العشرين أصبحت المدينة تعرف باسم «باريس الشرق». وبعد حرب 1967 مع إسرائيل، أصبحت بيروت مركزاً أساسياً للفدائيين الفلسطينيين الذين حاربوا الأخيرة.
وفي العام 1975[62] اندلعت الحرب الأهلية اللبنانية وقسمت المدينة إلى شطرين: شرقي مسيحي، وغربي مسلم،[63] وعم المدينة الخراب والفوضى. وقام الجيش الإسرائيلي في سنة 1978 باجتياح لبنان واحتلال أراضيه من الجنوب حتى نهر الليطاني في عملية أعطاها الجيش الإسرائيلي اسم هذا النهر ثم توسع الاحتلال في لبنان بعد العدوان الإسرائيلي الثاني في سنة 1982 ليصل مشارف العاصمة ويحاصرها. وفي سنة 1983 تمّ تفجير الثكنات العسكرية الفرنسية والأميركية في المدينة.[64][65][66] وفي سنة 1990 استقر الوضع في لبنان وتوحدت بيروت وعادت إليها حركة العمرا