Loading AI tools
كاتب وفنان وعالم طبيعة وسياسي ألماني (1749–1832) من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
يوهان فولفغانغ فون غوته (بالألمانية: Johann Wolfgang von Goethe)، اعتباراً من 1782 فون غوته (ولد في 28. أغسطس 1749 في فرانكفورت، توفي في 22 مارس 1832 في فايمار) كان شاعراً وعالماً طبيعياً وواحداً من أهم مبدعي الشعر باللغة الألمانية، ومن أشهر أعماله آلام فيرتر، وفاوست، وغوتس فون برليشنغن، ومسرحيات نزوة عاشق، المتواطئون، كلافيغو، إيغمونت، ستيلا، إفيجينا في تاورس، توركواتو تاسو، ومن قصائده بروميتيوس، المرثيات الرومانية،[15] والديوان الغربي والشرقي «والذي ظهر فيه تأثره بالفكر العربي والفارسي والإسلامي».[16][AR 1][AR 2]
ولد غوته لعائة مرموقة من الطبقة الوسطى، وكان جده لأمه أعلى مسؤول قضائي في مدينة فرانكفورت، وكان والده متخصصاً في القانون وعضواً في المجلس الإمبراطوري. تلقى هو وشقيقته كورنيليا تعليماً منزلياً، ودرس تبعاً لرغبة والده القانون في كل من لايبزيغ وستراسبورغ، ثم عمل محامياً في فتسلار وفرانكفورت. في نفس الوقت تابع غوته شغفه بالشعر وحقق أول إنجاز أدبي في عام 1773، وهو دراما «غوتس فون برليشنغين» (بالألمانية: Götz von Berlichingen) التي لاقت رواجاً واسعاً، ثم تبعتها عام 1774 مع رواية آلام فيرتر (بالألمانية: Die Leiden des jungen Werthers) التي اشتهر بها في كل أوروبا، وينتمي كلا العملين إلى الحركة الأدبية التي عرفت باسم «العاصفة والاندفاع» (بالألمانية: Sturm und Drang) في الأعوام 1765 إلى 1785.[17][18]
كان في السادسة والعشرين من عمره عندما دعاه أمير دوقية فايمار، التي استقر فيها لبقية حياته بصفته صديقاً ووزيراً للدوق كارل أغسطس، وشغل هناك مناصب سياسية وإدارية وترأس مسرح البلاط لمدة ربع قرن. تسبب نشاطه الرسمي في أعوامه العشر الأولى في فايمار بإهمال قدراته الإبداعية، وتسبب ذلك بأزمة شخصية لديه دفعته إلى الفرار إلى إيطاليا.[19](ص.66) حيث استمرت رحلته من سبتمبر 1786 إلى مايو 1788 وعدّها «ولادة جديدة»، وعاد بعدها إلى النشاط الأدبي ونشر في الأعوام التي تلت عودته بعضا من أهم أعماله مثل مثل إيغمونت (بالألمانية: Egmont)، إيفيغينيا في تاوريس (بالألمانية: Iphigenia in Tauris)، وتوركواتو تاسو (بالألمانية: Torquato Tasso). اقتصرت واجباته الرسمية بعد عودته من إيطاليا إلى حدٍّ كبير على إدارة مسرح بلاط فايمار، فيما حفز التراث الثقافي الذي تعرف إليه في إيطاليا إنتاجه الشعري،[20](ص.506)[21](ص.328) ودفعته التجارب الحميمية التي عاشها هناك إلى بدء علاقة حب «غير لائقة» في فايمار، مع كريستيانه فولبيوس التي تزوجها بعد ثمانية عشر عاما من العلاقة.[22][23]
ترك غوته إرثاً أدبياً وثقافياً ضخماً للمكتبة الألمانية والعالمية، وكان له بالغ الأثر في الحياة الشعرية والأدبية والفلسفية، تنوعت مؤلفاته بين الرواية والشعر والمسرح والدراما والملحمة والسيرة الذاتية والنظرية الأدبية والفنية، بالإضافة إلى الكتابات العلمية، كما تعدّ مراسلاته الواسعة ذات أهمية أدبية. كان غوته هو مؤسس تيار «العاصفة والاندفاع» الأدبي وأهم ممثليه.[15]
اكتسب غوته في حياته شهرة في كل أنحاء أوروبا، حتى أن نابليون دعاه إلى لقاء شخصي على هامش مؤتمر إرفورت [الإنجليزية].[24] شكل في تعاونه مع فريدريك شيلر ويوهان هردر ووكريستوف فيلاند في ما عرف بمرحلة فايمار الكلاسيكية،[19] وأصبحت روايات «فلهلم مايستر» رائدة في نوع الروايات الفنية ووما عرف بـ"رواية التعلّم" في الأدب الألماني.[19](ص.354) وقد حظت دراما فاوست (1808) بسمعة عالمية باعتبارها أهم إبداع أدبي باللغة الألمانية.[15][25]
كان غوته حياً وفي سن الشيخوخة عندما صار يعتبر في ألمانيا وخارجها ممثلاً للفكر الألماني، ومُجّد في الإمبراطورية الألمانية باعتباره الشاعر القومي الألماني والمعبّر عن "الجوهر الألماني"، ووظف على هذا النحو تم في التوجهات القومية الألمانية. ولم يقتصر التقديس آنذاك على أعمال غوته فحسب، بل قدّست شخصية الشاعر الذي كان يُنظر إلى أسلوب حياته على أنه نموذجي. وتعد قصائد غوته ومسرحياته ورواياته حتى يومنا هذا من بين روائع الأدب العالمي.[15] وقد أطلق اسمه على أشهر معهد لنشر الثقافة الألمانية في شتى أنحاء العالم وهو «معهد غوته».
ولد يوهان فولفغانغ فون غوته في 28 أغسطس 1749 في منزل عائلة غوته (الذي ما زال قائماً إلى اليوم) في حي هيرشغرابن في فرانكفورت التي وفد إليها جده فريدريش غيورغ غوته (1657-1730) من مقاطعة تورينغن عام 1687. عمل جده خياطاً،[20](ص.69) ثم تزوج لاحقا من ابنة صاحب نزل مزدهر، فحقق ثروة كبيرة من النزل ومن تجارة النبيذ، أورثها فيما بعد في صورة عقارات وقروض عقارية وأموال لابنيه من زواجه الأول، وابنه الأصغر يوهان كاسبار غوته (1710-1782)، والد يوهان فولفجانج غوته.[26] حصل والد غوته على درجة الدكتوراه في القانون من جامعة لايبزيغ، لكنه لم يمارس مهنة المحاماة، بل عاش على ريع ثروته الموروثة، وارتقى في طبقات مجتمع فرانكفورت باللقب الفخري «المستشار الإمبراطوري»، ومكنت هذه الثروة ابنه لاحقاً من العيش والدراسة دون قيود مالية.[20](ص.67، 86) كان والد غوته رغم ثقافته الواسعة صارماً، وأدى ذلك إلى صراعات داخل الأسرة.
كانت والدته كاثرينا إليزابيث غوته (1731-1808) ابنة لعائلة تيكستور الثرية والمرموقة في فرانكفورت، وكان والدها (جد غوته) يوهان فولفغانغ تيكستور أرفع مسؤول قضائي في المدينة، وقد تزوجت في سن السابعة عشرة والد غوته البالغ من العمر 38 عاما، وأنجبت بعد يوهان فولفغانغ خمسة أطفال آخرين، توفوا جميعهم صغاراً باستثناء الأخت الصغرى كورنيليا التي كان غوته على علاقة وثيقة بها، تضمنت مشاعر "حميمية" وفقاً لكاتب السيرة نيكولاس بويل وللمحلل النفسي كورت روبرت ايسلر [الإنجليزية].[20](ص.76)[27]
التحق في الأعوام 1756 إلى 1758 بمدرسة عامة. وبعد ذلك تلقى رفقة أخته تعليماً منزلياً مكثفاً على أيدي والدهما وثمانية مدرسين خاصين. تعلم غوته من اللغات التعليمية الكلاسيكية اللاتينية واليونانية والعبرية، بالإضافة إلى اللغات الحية الفرنسية والإيطالية والإنجليزية، و«الألمانية اليهودية» (اللغة الييدشية) التي كانت «حضوراً حياً في حارة اليهود في فرانكفورت».[17] كما تضمنت جدول الدروس العلوم والدين والرسم، وتعلم أيضا العزف على البيانو والتشيلو وركوب الخيل والمبارزة والرقص.[20](ص.73)
احتك غوته بالأدب في سن مبكرة، بدءاً من القصص التي كانت تقرأها الأم قبل النوم، ومروراً بتلاوات الكتاب المقدس في الأسرة المتدينة ذات المذهب البروتستانتي اللوثري، وفي عيد ميلاده في عام 1753 أهدته جدته «مسرحاً للعرائس» حفظ المسرحية المخصصة له عن ظهر قلب وأداها مراراً وتكراراً بحماس مع أصدقائه. فظهرت موهبته فبدأت مخيلته الأدبية في الحكايات الخيالية الأولى التي كتبها بصيغة الـ«أنا» تثير الدهشة والإعجاب في محيطه.[28] حوَت مكتبة والده حوالي 2000 مجلد، وهكذا تعرف غوته منذ الطفولة على الأدب الشعبي ومنه حكاية فاوست. خلال حرب السنوات السبع نزل قائد المدينة الفرنسي الكونت ثورانك في بيت غوته [الإنجليزية] من 1759 إلى 1761، فكان له ولفرقته المسرحية التي حضرت معه الفضل في تعرف غوته إلى الأدب الفرنسي. في سن الثانية عشرة بدأ غوته رواية متعددة اللغات تداخلت وامتزجت فيها جميع اللغات التي كان يعرفها.[29]
يرى كتّاب سيرة غوتة، نيكولاس بويل وروديجر سافرانسكي، أنه كان طفلاً موهوباً، ولكنه لم يكن طفلاً معجزة مثل موتسارت على سبيل المثال.[20](ص.74)[21](ص.32) تعلم اللغات بسرعة وكان يمتلك «براعة غير طفولية نظم الأبيات»، وكان «مفعماً بالحيوية والنشاط، وعنيداً، لكن بلا عمق».[20](ص.74)
عملاً بتعليمات والده، بدأ غوته في خريف 1765 دراسة القانون في جامعة لايبزيغ، وبخلاف مدينة فرانكفورت التقليدية التي لم تكن فيها جامعة، كانت لايبزيغ آنذاك مدينة أنيقة ومنفتحة أُطلق عليها اسم باريس الصغيرة.[20](ص.83) هناك عومل غوته كشخص قادم من الأرياف وكان عليه أولاً أن يتكيف مع الملابس والعادات السائدة هناك، وقدم له والده منحة شهرية بقيمة 100 غيلدر، وهي ضعف ما كان يحتاجه طالب في أغلى الجامعات آنئذ.[20](ص.87) وعلى الرغم من أن والده قد عهد برعايته إلى أستاذ التاريخ والقانون الدستوري يوهان غوتلوب بوهمه، ونهاه عن تغيير موضوع دراسته،[20](ص.84) فقد أهمل غوته بسرعة الدراسة الإجبارية وفضل حضور المحاضرات الشعرية التي ألقاها كريستيان فورشتيغوت غيليرت الذي سمح للطلاب بعرض تجاربهم الأدبية عليه. لم يكن غيليرت ميالا لقبول النصوص الشعرية، وأحال محاولات غوته الشعرية (بما في ذلك قصيدة زفاف إلى العم تيكستور) إلى نائبه الذي لم تحظ هذه القصائد بتقديره.[21](ص.44)
واصل غوته دروس الرسم التي بدأها في فرانكفورت مع الرسام آدم فريدريش أوزر [الإنجليزية] الذي أسس أكاديمية لايبزيغ للفنون وأدارها منذ 1764، وقد عرفه أوزر على أفكار تلميذه يوهان يواخيم فينكلمان الفنية المثالية التي كانت تستلهم العصور القديمة، وعمّق فهمه للفن وقدرته على التقييم الفني، وقد أشار غوته لاحقا في رسالة شكر كتبها إليه من فرانكفورت إلى أنه قد تعلم منه أكثر مما تعلمه في كل تلك السنوات التي قضاها في الجامعة.[21](ص.56) تعرف غوته عام 1765إلى ابنة أوزر فريدريكه إليزابيث (1748-1829)، ونشأت بينهما صداقة ومراسلات استمرت لبعض الوقت بعد مغادرته لايبزيغ، كمل ظل أوزر حتى وفاته على تواصل مع غوته. في فترة دراسته في لايبزيغ، تعلم غوته تقنيات التمنيش والنقش على الخشب على يد النحات يوهان ميخائيل ستوك.
بعيدًا عن المنزل، تمتع غوته البالغ من العمر 16 و17 عامًا بحرية أكبر في لايبزيغ، وحضر العروض المسرحية وقضى الأمسيات مع الأصدقاء، وذهب في رحلات استكشافية في المنطقة المحيطة.[30] في لايبزيغ أيضا أقام «أول علاقة حب جدية»[20](ص.88) مع ابنة الحرفي وصاحب النزل كيتشين شونكوبف، وهي علاقة استمرت لعامين. أثر تصاعد المشاعر في تلك السنوات على أسلوبه الشعري في تلك الفترة، وحررته من أسلوب الروكوكو المعتاد، وباتت نبرته أكثر حرية وانطلاقاً. نشرت مجموعة من 19 قصيدة نسخها صديقه ارنست فولفغانغ بيريش في ديوان بعنوان «أنيت» (بالألمانية: Annette)، ونشرت له مجموعة صغيرة أخرى من القصائد في عام 1769 تحت عنوان «أغاني جديدة» (بالألمانية: Neue Lieder). كان شعر غوته المبكر وفقًا لكاتب السيرة نيكولاس بويل «إيروتيكيا بلا هوادة»، ويتعامل «مباشرة مع أقوى مصادر الإرادة الفردية والشعور».[20](ص.106)
في يوليو 1768 عانى غوته من نزيف داخلي حاد نتيجة لمرض السل،[20](ص.93) وعاد لتدهور صحته إلى منزل والديه في فرانكفورت بدون شهادة أكاديمية، مخيبا لآمال والده.[20](ص.96)
تطلب المرض الخطير الذي تعرض له فترة نقاهة طويلة وجعله أكثر تقبلا لأفكار التقوى التي قربتها إليه صديقة أمه سوزانه فون كليتنبيرغ التي كانت تتبع الكنسية المورافية، وشهدت تلك الفترة أكثر تقارب له مع الأفكار المسيحية في حياته البالغة.[20](ص.91) انشغل أيضا بقراءة الكتابات الصوفية والخيميائية، وهي قراءات ستظهر لاحقا في عمله البارز فاوست.[21](ص.73) وبصرف النظر عن ذلك، كتب في تلك الفترة أول مسرحية كوميدية له بعنوان «المتواطئون» (بالألمانية: Die Mitschuldigen).
بعد تعافيه من المرض استأنف في أبريل 1770 دراسته في جامعة ستراسبورغ. وكانت ستراسبورغ التي يبلغ تعداد سكانها 43000 نسمة أكبر من فرانكفورت،"[20](ص.116) وقد منحت لمملكة فرنسا في صلح وستفاليا، وكان معظم التدريس في الجامعة لا يزال باللغة الألمانية.
ركز غوته هذه المرة بصورة أفضل على دراسة القانون، ولكنه وجد أيضًا وقتًا لتكوين عدد من المعارف الشخصية. وكان أهمها عالم اللاهوت والفن والمنظر الأدبي يوهان غوتفريد هردر (1744-1803) الذي وصف غوته التعرف إليه بـ«أهم حدث» في فترة ستراسبورغ.[21](ص.81) وخلال زياراته شبه اليومية فتح هردر كان عينيه على الزخم اللغوي الأصلي لدى مؤلفين مثل هوميروس وشكسبير وأوسيان، بالإضافة إلى الشعر الشعبي، وأعطى بذلك دفعات حاسمة لتطور غوته الشعري. وقد عين هردر لاحقا بتوصية من غوته في وظيفة في فايمار. كما تضمنت دائرة أصدقائه ومعارفه طبيب العيون والكاتب التقويّ اللاحق يوهان هاينريش يونغ-ستيلينغ، وعالم اللاهوت والكاتب ياكوب ميخائيل راينهولد لينتس. وعلى الرغم من أنه كان محاطا بأصدقاء من ذوي التوجهات الدينية، ابتعد غوته في ستراسبورغ نهائيا عن التقوى المسيحية.[20](ص.118)
عرفه زميل جامعي إلى عائلة القس فريدريك بريون في سيسينهايم، ونشأت علاقة عاطفية بين غوته وابنة القس فريدريكه، أنهاها غوته بعد تركه جامعة ستراسبورغ برسالة أرسلها من فرانكفورت. ويشير كاتب السيرة نيكولاس بويل إلى صدمة فريدريكه من ترك غوته لها حيث كان كل سلوكه تجاهها يوحي بأنهما مخطوبين،[20](ص.128) وقد تلقى غوته نبأ انهيار صحتها بالانزعاج والشعور بالذنب.[20](ص.133) عرفت القصائد الموجهة إلى فريدريكه بـ«أغاني سيسينهايم» (بالألمانية: Sessenheimer Lieder) ومنها قصائد اللقاء والوداع، وهايدروزلاين، وأغنية مايو. لا يقدم الشكل الشعري الخارجي في هذه القصائد شيئاً جديداً، ولا يتجاوز التعبير اللغوي اللغة الشعرية المعتادة إلا في الفروق الدقيقة على الأكثر. مع ذلك تحمل فيها الـ«أنا» سمات فردية ولا تعتمد على «أنماط مسبقة»، بل تظهر «الأنا المتكلمة، والمحبوبة، والحب، والطبيعة في كثافة لغوية غير معهودة».[31]
في صيف عام 1771، قدم غوته أطروحته القانونية (فقدت) حول العلاقة بين الدولة والكنيسة، وقد قابلها اللاهوتيون في ستراسبورغ بسخط واعتبروها فاضحة، واتهمه أحدهم غوته بأنه «محتقر مجنون للدين»، وأوصى عميد الكلية غوته بسحب الرسالة. ومع ذلك منحته الجامعة الفرصة للحصول على الإجازة الجامعية عوضا عن الدكتوراه، ومن أجلها احتاج فقط إلى إعداد عدد قليل من الأطروحات والدفاع عنها.[21](ص.100) احتوت هذه الأطروحات التي اجتاز الدفاع عنها بامتياز في 6 أغسطس 1771 على 56 أطروحة باللاتينية تحت عنوان «مواقف حقوقية» (باللاتينية: Positiones Juris)، وفي الأطروحة قبل الأخيرة تناول مسألة ما إذا كان ينبغي أن تعاقب قاتلة الرضيع لعقوبة الإعدام، وهي مسألة تناولها أدبياً في وقت لاحق في مأساة جريتشن (بالألمانية: Gretchentragödie) في صيغة فاوست الأولى [الألمانية].
افتتح غوته في فرانكفورت مكتب محاماة صغيراً اعتبره والده «مجرد محطة عبور» إلى المناصب العليا (أسوة بالعمدة الجد)،[21](ص.102) وأداره لأربع سنوات إلى أن تضاءل حماسه للمهنة وغادر إلى فايمار. كان الشعر بالنسبة لغوته أكثر أهمية من مهنة المحاماة، وفي نهاية عام 1771 (وفي غضون ستة أسابيع) انتهى من كتابة «قصة غوتفريد فون برليشنغين صاحب القبضة الحديدية» (بالألمانية: Geschichte Gottfriedens von Berlichingen mit der eisernen Hand)، التي نشرت عام 1773 بعد المراجعة بعنوان غوتس فون برليشينغن. استقبل العمل الذي خالف جميع القواعد الدرامية التقليدية بحماس، ويعتبر وثيقة تأسيسية لحركة «العاصفة والاندفاع» (بالألمانية: Sturm und Drang) الأدبية،[18] أما الدراما التي تحمل اسم «العاصة والاندفاع» فكاتبها فريدرش ماكسيميليان فون كلينغر الذي كان من أصدقاء غوته منذ الصغر.
في يناير 1772 شهد غوته مراسم إعدام قاتلة طفلها سوزانه مرغريتا براندت بحد السيف في فرانكفورت،[21](ص.120) وقد شكل هذا الحدث وفقًا لروديجر سافرانسكي الخلفية الشخصية لـ «مأساة جريتشن» في فاوست، التي بدأ غوته العمل عليها في أوائل سبعينيات القرن الثامن عشر.[21](ص.119)
في عام 1773 تزوجت أخته كورنيليا من المحامي يوهان جورج شلوسر، صديق غوته الذي يكبره بعشر سنوات، الذي كان محامي الدفاع في محاكمة قاتلة الطفل.
خلال هذه السنوات تردد غوته على حلقات تيار "العاطفيين" الأدبي [الإنجليزية] التي نشأت في دارمشتات حول يوهان هاينريش ميرك، وكان يقطع مسافة الـ25 كيلومترًا من فرانكفورت إلى دارمشتات على قدميه.[20](ص.156) وقد أولى غوته أهمية كبيرة لتقييمات ميرك، وشهد في سيرته الذاتية أنه كان له «التأثير الأكبر» على حياته، وقد لبى غوته دعوته إياه لكتابة مراجعات أدبية لمجلة فرانكفورتر غيليرته أنتسايغن (بالألمانية: Frankfurter gelehrte Anzeigen) التي كان يديرها ميرك وشلوسر.[21](ص.123- 128)
في الفترة الواقعة بين صيغتي قصة غوتس عمل غوته في مايو 1772 بضغط من والده متدرباً في محكمة الغدل الإمبراطورية في فيتسلار. وقد وصفه أحد زملائه من تلك الفترة بما يلي:
إنه يفعل ما يعجبه ويهمه إذا كان يعجب الآخرين، أو إذا كان موضة، أو إذا كانت تسمح به الأعراف. وهو يكره أن يجبر على أي شيء... لقد صاغ عمله الأساسي من أجمل العلوم والفنون، أو بتعبير أدق، من كل المعارف، إلا تلك التي تطعم خبزا.[20](ص.160)
أولى غوته القليل من الاهتمام للدراسات القانونية، ووجه اهتمامه بدلاً من ذلك إلى المؤلفين القدماء. في إحدى الحفلات الريفية الراقصة تعرف إلى شارلوت بوف التي كانت مخطوبة لزميله، ووقع في حبها. بعدها أصبح غوته ضيفاً منتظماً ومرحباً به في منزل عائلة بوف، ولكن بعد أن أوضحت له شارلوت أنه لا يمكنه أن يأمل سوى بصداقتهما. أدرك غوته وضعه اليائس، وفر من فيتسلار.[20](ص.162)
بعد عام ونصف تناول هذه التجربة وتجارب شخصية وغيرية في رواية آلام فيرتر التي كتبها في غضون أربعة أسابيع فقط في بداية عام 1774، وقد أنال هذا العمل العاطفي للغاية الذي يجمع بين حركتي «العاصفة والاندفاع» و«الإحساسية» الأدبيتين مؤلفه شهرة في جميع أنحاء أوروبا خلال فترة زمنية قصيرة، وقد شرح غوته بنفسه لاحقاً نجاح الكتاب الهائل و«حمى فيرتر» (عدوى الانتحار) التي أطلقها بأن الكتاب قد لبى بالضبط احتياجات العصر، وعن علاقة العمل بتجربة العشق الفاشلة التي مر بها يقول: «شعرت، كما بعد اعتراف عام، بالسعادة والحرية مرة أخرى، وأن لي الحق بحياة جديدة».[32] ومع ذلك، فقد غوته على علاقة ودية مع زميله وشارلوته وواصلوا تبادل الرسائل.[20](ص.164)
عند عودته من فتسلار استقبله الأب بتوبيخ لأن إقامته هناك لم تكن مواتية لتقدمه المهني،[21](ص.139) ولكن السنوات من عودته إلى فرانكفورت حتى مغادرته إلى فايمار كانت من أكثر السنوات إنتاجية في حياته، فبالإضافة إلى فيرتر كتب التراتيل الكبرى (ومنها أغنية التجول في العاصفة، وغانيماد، وبروميثيوس، وأغنية محمد)، وعدة قطع دراما قصيرة، مثل منها حفل السوق السنوي (بالألمانية: Das Jahrmarktsfest zu Plundersweilern)، والآلهة (بالألمانية: Die Götter)، والأبطال وفيلاند (بالألمانية: Helden und Wieland)، وعددا من الأعمال الدرامية مثل كلافيغو، وستيلا، وفي تلك الفترة تناول غوته موضوع فاوست لأول مرة.
في عيد فصح عام 1775، ارتبط غوته بليلي شومان، وهي ابنة مصرفي فرانكفورتي، ولكن الزواج لم يتم لعدم توافقه مع خطط غوته لحياته، كما أن اختلاف أوساط الوالدين وطوائفهما الدينية أضاف تعقيدات إلى القصة، وفي أكتوبر من نفس العام أعلنت عائلة ليلي عن فسخ الخطبة.[21](ص.185) وقد قال غوته في نهاية حياته إلى صديقه يوهان إيكرمان، إلى أنها إنها كانت أول من «أحبه بعمق وصدق»، وأنه رأى معها لأول مرة «إمكانية زواج حقيقية».[20](ص.236)
في تلك الفترة قبل دعوة أصدقاء للسفر إلى سويسرا حيث أقام لعدة أشهر، وهناك تعرف إلى باربرا شولتيس، ونتج عن ذلك صداقة عمر، حيث دعاها غوته «القارئ الأكثر ولاءً»،[21](ص.183) وقد تلقت على فترات متقطعة المخطوطات النهائية لرواية «فيلهلم مايستر» التي كان غوته يعمل عليها، ونسختها بمساعدة ابنتها. وإلى إحدى نسخها يرجع الفضل في اكتشاف الأجيال القادمة النسخة الأصلية من رواية غوته رسالة فلهلم مايستر المسرحية التي اكتشفت عام 1909 وطبعت في العام التالي.[33]
عانى غوته من انفصاله عن ليلي شومان، وللابتعاد عن فرانكفورت قبل دعوة من الدوق كارل أغسطس البالغ من العمر 18 عاماً للسفر إلى فايمار.
انتقل في في نوفمبر 1775 إلى فايمار. التي كانت عاصمة دوقية ساكسونيا - فايمار - أيزناخ، وكانت على الرغم من عدم تجاوز عدد سكانها الـ 6000 (مقابل مجموع سكان الدوقية البالغ حوالي 100000) قد تطورت لتصبح مركزاً ثقافياً مهما وقبلة لرجال الأدب والعلم. لم يكن هناك سبب محدد لدعوة غوته لزيارة فايمار،[21](ص.197) ولكنه سرعان ما نال ثقة الدوق كارل أوجست المثقف الذي كان يصغره بثماني سنوات، والذي أراد الاقتداء بصداقة فريدريك الأكبر مع فولتير و«وضع روح عظيمة إلى جانبه».[21](ص.207) وبذل الدوق كل ما في وسعه لإبقاء غوته في فايمار، فقدم إليه هدايا سخية، منها المنزل الصيفي في حديقة إيلم، وفي النهاية اقترح عليه أن يشارك في إدارة الدولة، وقبل غوته العرض بعد بعض التردد.[22]
أصبح غوته في 11 يونيو 1776 مستشاراً قانونياً خاصاً وعضواً في المجلس الخاص، وهو هيئة استشارية للدوق مكونة من ثلاثة رجال، براتب سنوي قدره 1200 تالر،[20](ص.279) وظل عضواً في هذا المجلس حتى حله في عام 1815. توقف نشاطه الأدبي في تلك الفترة، وقد أشار في رسالة كتبها في مايو 1780 إلى أنه قد أوقف كتاباته الأدبية، ولكنه «يسمح لنفسه أحياناً، على غرار الملك العظيم الذي كان يعزف الناي لبضع ساعات كل يوم»، بممارسة موهبته.[19](ص.66) كما ابتعد غوته عن أصدقائه السابقين من فترة حركة «العاصفة والاندفاع» الأدبية، وقد زاره لينز وكلينجر في فايمار عام 1776 وأقاما فيها لفترة طويلة وحصلا على دعم مالي من غوته، وفي النهاية عمل غوته على طرد لينز من الدوقية بعد إهانة لم توضح حتى يومنا هذا.[21](ص.228)
شمل نشاط غوته الرسمي ابتداء من العام 1777 تجديد مناجم تعدين إلميناو، وابتداء من العام 1779 ترأس لجنتين دائمتين هما لجنة بناء الطرق ولجنة الحرب المسؤولة عن التجنيد في جيش فايمار.[20](ص.294) كان همه الرئيسي إعادة هيكلة ميزانية الدولة المثقلة بالديون من خلال ترشيد الإنفاق العام مع تعزيز الاقتصاد في نفس الوقت، وقد حقق نجاحاً جزئياً في ذلك، فعلى سبيل المثال أدى خفض تعداد أفراد القوات المسلحة إلى النصف إلى تقليص مهم في المصروفات.[19](ص.72) في عام 1784 تمكن غوته من إقناع مجالس فايمار فايمار ويينا وأيزناخ بتحمل ديون الدولة البالغة 130.000 تالر، مقابل خفض الميزانية العسكرية السنوية من 63.400 إلى 30,000 تالر.[34]
من ناحية أخرى واجه غوته صعوبات وعقبات أفشلت مشاريعه وشعر بالإحباط، حيث يشير في مذكراته عام 1779: «لا أحد يعرف ما أفعله وكم من الأعداء أواجه من أجل مردود قليل».[35] كانت اللجان الفورية التي أنشئت بين عامي 1776 و1783 أداة غوته الرئيسية لتنفيذ مشاريع الإصلاح، لعجز تركيبة السلطة الجامدة على القيام بها. ومع ذلك تمكنت الطبقة الأرستقراطية في الدوقية من إعاقة جهود غوته الإصلاحية في الثمانينيات.[19](ص.73- 78) وباءت مبادرته لإحياء صناعة تعدين النحاس والفضة في إلميناو بالفشل وأوقفت أخيرًا في عام 1812.[20](ص.294)[21](ص.314)
رافق غوته الدوق في سفره وتعرف عن قرب على الدوقية والأحوال فيها، ومن بين الأماكن التي زارها بلدة أبلدا التي وصف حالة البوس فيها في إحدى رسائله.[19](ص.72) كما قام غوته في عقده الأول في فايمار بعدة رحلات خارج حدود الدوقية كان معظمها بتكليف رسمي، فسافر إلى ديساو وبرلين في ربيع 1778، وإلى سويسرا من سبتمبر 1779 إلى يناير 1780، كما سافر عدة مرات إلى جبال هارتس (1777، 1783 و1784)، ورقي في 5 سبتمبر 1779 إلى درجة مستشار خاص (بالألمانية: Geheimrat).[36]
دفعت أنشطة غوته في إلميناو ومكافحته الفساد الدوق إلى أن يطلب يوم في يونيو 1782 التعرف على أعمال إدارة الخزينة الملكية، ونقل إليه صلاحيات خلفا لرئيس الخزنة الذي أقيل قبل ذلك بأيام، وإن لم يمنحه اللقب الرسمي، وعليه كان على غوته أن يشارك في اجتماعات الخزينة وأن يكون على علم بجميع المعاملات التجارية غير العادية،[37] كما عُيّن في نفس العام تم تعيينه مشرفاً في جامعة يينا.[19](ص.73)
بناء على طلب الدوق رفع غوته في 3 يونيو 1782 بأمر إمبراطوري إلى درجة النبلاء، وقد هدفت هذه الترقية إلى تسهيل عمله في البلاط وفي إدارة شؤون الدوقية.[20](ص.391)
بلغ غوته في سن 33 ذروة نجاحه، وكان بعد الدوق أقوى رجل في فايمار،[20](ص.392) وقد تعرض للانتقاد بسبب عمله مع الدوق ووصفه البعض بـ«خادم الأمير» و«شاعر الطاغية».[38]
اختلفت الأدبيات في تقييم عمل غوته في مجلس الدوق، ففي حين اعتبره بعض الكتاب سياسيا إصلاحيا تنويريا، شملت جهوده العمل على تحرير الفلاحين من الضرائب الخانقة،[39] أشار آخرون إلى إنه قد أيّد في موقعه الرسمي تجنيد الأطفال الإجباري في الجيش البروسي وإجراءات تقييد حرية التعبير. في عام 1783 صوَّت غوته لصالح إعدام الأم غير المتزوجة جوهانا كاثرينا هون التي قتلت طفلها حديث الولادة بدافع اليأس، وهو موقف مناقض للتفهم والتعاطف الذي عبّر عنه لاحقاً في مأساة جريتشن.[40]
أثار المستشار يوهان يواكيم كريستوف بود عند قدومه إلى اهتمام غوته بمحفل فايمار الماسوني «أماليا»، وبذل غوته في رحلته الثانية إلى سويسرا جهوده الأولى للانضمام، وقبل في 23 يونيو 1780، وتدرج في المراتب ليصبح «مساعد بنّاء» في عام 1781، ثم رقي إلى مرتبة «بنّاء» في عام 1782 هو والدوق كارل أغسطس.[20](ص.319)
لم ينشر غوته في في عقده الأول في فايمار سوى عدد قليل من القصائد المتناثرة في المجلات، ولم يترك له العمل اليومي سوى القليل من الوقت للقيام بنشاط شعري جاد، خاصة أنه كان مسؤولاً أيضاً عن تنظيم مهرجانات البلاط وتزويد مسرح الهواة بالمسرحيات والعروض الغنائية. في تلك الفترة تمكن فقط من الانتهاء من صيغة إفيغينيه في تاورس النثرية الأولى كما ما بدأ كتابة إغمونت، وتوركواتو تاسو وليلهيلم مايستر، وبعض أشهر قصائده، مثل قصائد الحب التي كتبها لشارلوت فون شتاين، وقصائد ملك العفاريت، وأغنية متجول الليل (بالألمانية: Wandrers Nachtlied)، وحدود الإنسانية (بالألمانية: Gränzen der Menschheit)، والإلهي (بالألمانية: Das Göttliche).
حوالي عام 1780 بدأ غوته في التعامل بصورة منهجية مع الأسئلة العلمية، وقد عزا ذلك لاحقا إلى مهنته الرسمية في مسائل التعدين والزراعة وصناعة الأخشاب وما إلى ذلك. كانت اهتماماته الرئيسية في البداية هي الجيولوجيا وعلم المعادن وعلم النبات وعلم العظام، وفي هذا المجال في اكتشاف (تصنيف) عظمة قادمة الفك العلوي عند البشر.[41] في نفس العام كتب مقالته «عن الغرانيت»، وكان يخطط لكتاب بعنوان «رواية الأرض».
كانت علاقة غوته الأهم والأكثر تكوينًا خلال عقد فايمار هي العلاقة مع سيدة البلاط شارلوت فون شتاين (1742-1827)، التي كانت تكبره بسبع سنوات ومتزوجة من البارون يوسياس فون شتاين، رئيس الإسطبلات الملكية، وكان عندها ثلاثة أطفال عندما تعرف غوته إليها. ويشير ما بلغ مجموعه الـ 1770 من الرسائل والملاحظات والقصاصات الورقية، والقصائد الكثيرة التي كتبها غوته إليها إلى علاقة وثيقة بشكل غير عادي بين الاثنين (رسائل شارلوته شتاين فقدت). يتضح من هذه الكتابات أن الحبيبة قد لعبت دور المربية، إذ علمته قواعد اللياقة في البلاط وخففت من قلقه الداخلي وعززت انضباطه الذاتي. من جانب آخر، لا يمكن الجزم حول كون العلاقة جنسية، أو «صداقة روحية» خالصة[42] كما يفترض معظم المؤرخين.[21](ص.309)
يميل معظم المؤرخين إلى أطروحة المحلل النفسي كورت إيسلر[43] التي تقول بأن غوته قد مارس أول اتصال جنسي له عندما كان يبلغ من العمر 39 عامًا في روما، ويشير سيرته الذاتية نيكولاس بويل أيضًا إلى أن قصة الحب التي عاشها مع فاوستينا في روما هي أول اتصال جنسي يوثّق.[20](ص.588)
تعرضت علاقة غوته مع شارلوته إلى هزة إثر رحيله السري إلى إيطاليا في عام 1786 العلاقة، وآلت بعد عودته إلى انقطاع نهائي بسبب قصة حب غوته الراسخة مع كريستيانه فولبيوس، زوجته المستقبلية. رأت شارلوته، التي كانت حياتها وصورتها الذاتية قائمة على إنكار الشهوات، علاقات غوته خيانة لها، وطلبت منه رد رسائلها إليه.[20](ص.677) لم يتصالح الاثنان قبل سن الشيخوخة ولم تستعد علاقتهما الدفء السابق،[44] وقد ساعد في هذه المصالحة تردد ابن غوته الصغير أغسطس على منزل عائلة فون شتاين، واستؤنفت المراسلات ابتداءا من عام 1794، وظلت بصيغة المخاطبة الرسمية.[20](ص.556)
وقع غوته في أزمة شخصية في منتصف عقد ثمانينيات القرن الثامن عشر وهو في ذروة حياته المهنية، ففي حين ظلت أنشطته الرسمية غير ناجحة، أصبحت أعباء مناصبه وقيود الحياة مصدر إزعاج له، وكذلك لم تعد علاقته مع شارلوته مرضية بالنسبة له. وعندما عرض عليه في عام 1876 أحد الناشرين طباعة أعماله الكاملة، تبين لغوته أنه لم ينشر أي شيء جديد في الأعوام الماضية، وبالنظر إلى مشاريعه الشعرية التي لم تكن قد اكتملت بعد (فاوست، إيغمونت، فيلهلم مايستر، تاسو)، زادت الشكوك الذاتية حول وجوده المزدوج بصفته رجل دولة وأديب، وقد تناول غوته هذه الشخصية المزدوجة في مسرحية توركواتو تاسو، حيث قسمها إلى شخصيتين متناحرتين، تاسو وأنطونيو. وفي حين لم يثق في التوازن الشعري بين البعدين، حاول الحفاظ على هذا التوازن في الواقع.[21](ص.307- 314)
انسحب غوته من البلاط وسافر في رحلة تعليمية إلى إيطاليا فاجأت من حوله،[45] ففي 3 سبتمبر 1786 قطع رحلة نقاهة في منتجع كارلزباد دون أن يودّع أو يعلم أحدا سوى سكرتيرته الخاص،[21](ص.318) من هناك كتب إلى الدوق يطلب إجازة إلى أجل غير مسمى، وأعلن في اليوم السابق على مغادرته عن نيته السفر، دون الكشف عن وجهته.[20](ص.452، 471) ويعتقد أن هذه السرية كانت جزءً من خطة تمكن غوته من ترك مناصبه مع الاحتفاظ براتبه لبعض الوقت.[46] ولكي يتمكن غوته من التنقل بحرية في الأماكن العامة، سافر متخفياً تحت اسم يوهان فيليب مولر.[20](ص.318)
في نوفمبر من نفس العام وصل غوته روما مارا بكل من فيرونا وفيتشنزا والبندقية، ومكث هناك حتى فبراير 1787، وسافر منها إلى نابولي وصقلية في رحلة دامت أربعة أشهر، وعاد إليها في يونيو 1787 ومكث حتى نهاية أبريل 1788. في طريق العودة توقف في سيينا وفلورنسا وبارما وميلانو وغيرها، وعاد في يونيو 1788 إلى فايمار.
في روما عاش غوته مع الرسام الألماني فيلهلم تيشباين[47] الذي رسم لوحة غوته في الريف [الإنجليزية]، وكان على تواصل حيوي مع فنانين ألمان آخرين مقيمين في روما، منهم أنجيليكا كوفمان التي رسمته، وجاكوب فيليب هاكيرت، وفريدريك بيري، ومع الرسام السويسري يوهان هاينريش ماير الذي تبعه لاحقاً إلى فايمار وعمل معه مستشارا فنيا. كما كان على علاقة ودية مع الكاتب كارل فيليب موريتز، وقد طول غوته في محاثاته مع موريتس الآراء النظرية الفنية التي أصبحت أساسية لمفهومه «الكلاسيكي» للفن، والتي وضعها موريتز في مؤلفه «عن الاقتداء التعليمي بالجمال» (بالألمانية: Über die bildende Nachahmung des Schönen).
في إيطاليا، تعرّف غوته على فن العمارة والأعمال الفنية في العصور القديمة وعصر النهضة وأبدى إعجابه بها، وكان مخلصاً بشكل خاص لرافائيل والمهندس المعماري أندريا بالاديو.[20](ص.480) وبتوجيه من أصدقائه الفنانين مارس غوته الرسم بطموح كبير، وما زال حوالي 850 رسماً لغوته من الفترة الإيطالية محفوظا إلى اليوم. وشغل نفسه بشكل مكثف بإكمال الأعمال الأدبية: فاستكمل قصة إيفيجني في تاوروس التي كانت ماتزال في صيغتها النثرية إلى شعر، وأكمل إيغمونت التي كان قد بدأها قبل اثني عشر عاماً، وواصل كتابة تاسو، وواصل كذلك دراساته في علم النباتات. وقد مكنه التخفي من التحرك بحرية في أوساط اجتماعية مختلفة والاستمتاع باللعب والاحتفالات، وخوض تجارب جنسية.[48][49]
كانت هذه الرحلة حاسمة بالنسبة لغوته من منظور رؤيته لنفسه ودوره في الحياة،[20](ص.506)[21](ص.328) وكتب إلى دوق فايمار أنه اكتشف الفنان في داخله، وأعلمه برغبته بالتحرر من واجباته السابقة وبأن يفعل «ما لا يستطيع أحد سواي فعله، وتكليف آخرين بالباقي». وقد منحه الدوق التمديد المطلوب لإجازته المدفوعة حتى يتمكن من البقاء في روما حتى عيد فصح عام 1788.[21](ص.338- 341)
استنادًا إلى مذكراته، كتب «رحلة إيطالية» بين عامي 1813 و1817.
تعرف بعد أسابيع قليلة من عودته إلى فايمر إلى الخياطة كريستيانه فولبيوس البالغة من العمر 23 عامًا حين حضرت إليه بالتماس لمساعدة شقيقها طالب القانون، ونشات بينهما علاقة حميمية وأصبحت شريكة حياته دون أن يتزوجها.[23] أطلقت عليها والدة غوته تهكماً نعت «كنز السرير»، في إشارة إلى التلميحات الجنسية في المرثيات الرومانية التي كتبها غوته في تلك الفترة، وقد اندمجت فيها شخصية عشيقته الرومانية فوستينا مع كريستيانه.[20](ص.663) وصفت الباحثة سيغريد دام الزوجين بأنهما حسّيان وغارقان في الحب والخيال.[50]
عندما كانت كريستيان حاملًا في الأشهر الأخيرة أراد غوته اصطحابها إلى المنزل الذي قدمه له الدوق في البلدة، ولكن بناءً على طلب الدوق ومراعاة لمجتمع فايمار، انتقل غوته معها إلى شقة خارج بوابات المدينة.[21](ص.355) ومع أن غوته لم يعترف رسميا بأبوته لطفلهما أغسطس والتر الذي ولد في الخامس والعشرين من ديسمبر 1789، لم يسجل الطفل ولم يُدرج على أنه غير شرعي.[51] ولد لهما أربعة أطفال آخرون توفوا جميعا بعد الولادة بأيام قليلة. في عام 1792 سمح لهما الدوق بالانتقال إلى المنزل الواقع في داخل البلدة، الذي كان بإمكان غوته وكريستيان العيش فيه بدون إيجار، ولاحقاً نقل الدوق ملكيته إلى غوته في عام 1749 امتناناً لمرافقته له في حملات حروب الأعوام 1792 و1793 ضد فرنسا.[52](ص.145، 251)
ظلت كريستيانه المتدنية التعليم والقادمة من عائلة فقيرة محرومة من الدخول في مجتمع فايمر الذي كان غوته جزءاً منه، وزاد من تعقيد الموضوع أنها لم تكن على علاقة «شرعية» به. غوته الذي تمسك بها بصفتها عشيقة لم يتزوجها حتى عام 1806 بعد أن أنقذته بتدخلها الشجاع من خطر قاتل عندما أوشك جنود فرنسيون على نهب منزله في فايمار عشية معركة يينا، وقد نقش غوته تاريخ هذه الليلة على خاتم الزواج.[53]
بعد عودته من إيطاليا أعفاه الدوق من معظم مهامه الرسمية، ولكنه احتفظ بمقعده في المجلس، وبالتالي بإمكانية التأثير السياسي، وتولى بصفته «وزيراً بلا حقيبة»[20](ص.742) عدداً من المهام الثقافية والعلمية منها إدارة مدرسة الرسم والإشراف على الأشغال العامة. كُمّا كلف بإدارة مسرح بلاط فايمار، وهي مهمة استغرقت الكثير من وقته، إذ كان مسؤولاً عن كل التفاصيل. بالإضافة إلى ذلك عمل غوته بصفة استشارية في شؤون جامعة يينا التي جذبت بفضل دعوته عددًا من الأساتذة المعروفين، مثل يوهان جوتليب فيشته، وجورج فيلهلم فريدريش هيجل، وفريدريش فيلهلم جوزيف شيلينغ، وفريدريش شيلر. في عام 1807 كلف غوته بالإشراف على الجامعة، وعمل في المقام الأول من أجل توسيع كلية العلوم الطبيعية.
في عيد ميلاده الأربعين صدرت أعماله الكاملة في ثمانية مجلدات من دار نشر غوشن، وسافر عام 1790 مجددا إلى إيطاليا حيث أمضى عدة أشهر في البندقية، ثم رافق والدة الدوق في العائدة من إيطاليا إلى فايمار في رحلة مرت في فيشنتسا وفيرونا ومانتوا،[20](ص.758، 768) وفي هذه الرحلة كتب "حِكم من البندقية"، وهي مجموعة من القصائد الساخرة عن الظروف الأوروبية «تجاوزت حدود التسامح الجمالي والأخلاقي في ذلك الوقت».[19](ص.188) في المقطع الرابع يشعر غوته بأنه «خدع» من قبل أصحاب الحانة ويفتقد «الصدق الألماني»، ويشتكي: «البلد جميل؛ لكن أوه! لن أجد فاوستينا مرة أخرى»، ويتوق بدلاً من ذلك إلى كريستيانه، «حبه» الذي تركه في فايمر.[20](ص.756- 766)
عام 1776 عُهد إلى غوته بإدارة عروض مسرح الهواة في بلاط فايمار، وكان المزاج السائد آنذاك تفضل الدراما الفرنسية والأوبرا الإيطالية.[54] كان الممثلون في مسرح فايمار من الأرستقراطيين والبرجوازيين العاديين، أو أعضاء في البلاط بما في ذلك الدوق كارل أوجست وغوته نفسه، وكانت العروض تجري في أماكن مختلفة. كانت الممثلة والمغنية كورونا شروتر التي استقدمها غوته من لايبزيغ أول ممثلة محترفة في فايمار، وأدت عام 1779 مسرحية إيفيغينيا التي كانت النسخة النثرية من إيفيغينيه في تاوروس، وفي هذا العرض مثل غوته دور أوريستيس والدوق كارل أوغست دور بيلادس. وفي نفس العام وقع لأول مرة عقد مع فرقة مسرح محترفة.
عام 1791 قرر الدوق كارل أغسطس تأسيس مسرح بلاط فايمر 1791 وولّى غوته إدارته،[52](ص.444) وخلال السنوات الـ 26 التي عمل فيها مخرجاً، جعل غوته مسرح فايمار واحدا من المسارح الألمانية الرائدة، وفيه عرضت أيضا أعمال غوته المتعددة، وشهدت لاحقا عروض أعمال شيلر الدرامية مثل ثلاثية فالنشتاين، وماريا ستيوارت، وعروس مسينا وفلهلم تل الأولى. كذلك حول شيلر تراجيديا غوته إيغمونت إلى مسرحية عرضت على مسرح فايمار.[55]
أعطى الدوق غوته حرية التصرف في إدارة المسرح، وهو ما فعله غوته بنهج أبوي إلى حد ما مع الممثلين والممثلات. وظل غوته في قيادة مسرح فايمر حتى عام 1817، عندما انسحب بعد خلاف مع الممثلة والمغنية القديرة كارولين ياغمان التي كانت تعمل في المسرح منذ عام 1797، التي قاومت أسلوبه الاستبدادي في القيادة. يرجع انسحاب غوته إلى ياغمان لم تكن فحسب بريما دونا بلا منازع جعلت مسرح فايمار يتألق، بل وأيضاً عشيقة الدوق الرسمية.[56]
في عام 1789 هزت الثورة الفرنسية نظام الحكم والدولة الأوروبي وجعلته موضع من قبل معظم معاصري غوته الفكريين (مثل فيلاند، وهيردر، وهولدرلين، وهيجل، وجورج فورستر، وبيتهوفن) الذين كانوا متحمسين لمُثل الحرية والإخاء التي انبثقت عنها. أما غوته فعارض الثورة منذ البداية واعتبرها. بالنسبة له كان ذلك «أفظع الأحداث»، ما عزز تصويره لدى البعض بصفته «خادماً للأمير».[57]
مال غوته إلى الإصلاحات التدريجية بروح التنوير، وشعر بالنفور من الثورة بسبب التجاوزات العنفية التي تلتها. من ناحية أخرى رأى سببها في الظروف الاجتماعية في ظل النظام القديم. في وقت لاحق قال في حديث مع إيكرمان، «إن الانتفاضات الثورية للطبقات الدنيا هي نتيجة لمظالم الكبار». في الوقت نفسه، احتج على أن يُنظر إليه على أنه «صديق للقائم» لأنه يكره الثورات ورأى أن هذا: «توصيف غامض للغاية لا أقبله. فإذا كان كل ما هو موجود ممتازًا وجيدًا وعادلاً، فلن يكون لدي أي شيء ضده. ولكن نظراً لاحتواء القائم على الكثير من الخير والكثير من السوء والظلم والنواقص في نفس الوقت، فإن صديقه الحالي كثيرا ما يُوصف بصديق ما هو سيئ وعفا عليه الزمن».[58]
في عام 1792 رافق غوته الدوق في حرب التحالف الأولى ضد فرنسا الثورية، ولثلاثة أشهر شاهد بؤس وعنف هذه الحرب التي انتهت بانتصار فرنسي، وهي تجربة لخصها في منشور «الحملة في فرنسا» (بالألمانية: Campagne in Frankreich). وبعد إقامة قصيرة في فايمار عاد في صيف عام 1793إلى الجبهة ليرافق الدوق في حصار ماينتس التي استعادها تحالف القوات البروسية النمساوية من اليعاقبة الألمان المتحالفين مع الجمهورية الفرنسية، بعد ثلاثة أشهر من الحصار والقصف.
في عام 1796 انضمت الدوقية إلى معاهدة السلام الفرنسية البروسية في بازل، وكانت سنوات السلام العشر التي أعقبتها فترة ازدهار كلاسيكية فايمر في خضم أوروبا التي مزقتها الحرب.
لاحقاً أشار غوته الذي رفض الثورة في البداية إلى أنه احتاج لسنوات عدة وكثير من الجهد «لمعالجة ما جرى شعريا من جذوره»،[21](ص.368) ووفقًا لروديجر سافرانسكي، عاش غوته الثورة بصفتها حدث أولي مثل اندلاع بركاني للحدث الاجتماعي والسياسي، ولم يكن من قبيل الصدفة أنه انشغل بدراسة ظاهرة البراكين الطبيعية في الأشهر التي تلت الثورة.[21](ص.369)
كتب غوته في مطلع التسعينيات تحت تأثير أحداث الثورة عددًا من الكوميديات الساخرة التي كانت مناهضة للثورة وللاستبداد في نفس الوقت: فنشر عام 1791 «جنرال المواطنين» (بالألمانية: Der Bürgergeneral)، وهي مسرحية من فصل واحد وكانت أول مسرحياته التي تناولت الثورة. وعلى الرغم كونها واحدة من أنجح مسرحياته وعرضت على مسرح فايمار أكثر من مسرحيتي تاسو وأيفيعيني، إلا أنه ابتعد عنها لاحقاً ولم يُدرجها في مجموعة أعماله الجديدة (بالألمانية: Neue Schriften) التي ظهرت في سبعة مجلدات في الفترة الواقعة بين 1792 إلى 1800.[21](ص.377) وكتب أيضًا كوفتا الكبير (بالألمانية: Der Groß-Cophta)، والأجزاء الأولى من «الغاضبون» (بالألمانية: Die Aufgeregten). كما يشير إلى تجارب غوته في تلك السنوات العمل الشعري «ثعلب راينكه» (بالألمانية: Reineke Fuchs)، وهو عبارة عن قصص بلسان الحيوانات تدور أحداثها في أواخر العصور الوسطى تعكس قسوة وأكاذيب وحقد الناس في مملكة الحيوان،[21](ص.380) وقد كتبه في الأعوام 1792 و1793، وواصل العمل عليه بينما كان لا يزال مع الجيش في حصار ماينز عام 1793.[59]
كما شكلت الأحداث الثورية أيضا خلفية المجموعة القصصية «محادثات المهاجرين الألمان» التي كتبها غوته عام 1795، وفيها تناقَش الثورة في إطار الحبكة التي تدور حول لاجئين أرستقراطيين فروا من الثورة الفرنسية إلى ضفة نهر الراين الغربية، يحاولون التسرية عن أنفسهم بسرد قصص قصصًا في تقليد الرواية القصيرة الرومانية (جيوفاني بوكاتشيو).[60] وكذلك في الملحمة الشعرية هيرمان ودوروتيه (1797) التي حظيت بشعبية واسعة، يتناول غوته مباشرة مع عواقب الثورة الفرنسية ومصير الناطقين بالألمانية على ضفة الراين الشرقية.[61]
في السنوات التي تلت عودته من إيطاليا كان غوته مهتمًا بشكل أساسي بأبحاث الطبيعة، وفي عام 1790 نشر محاولته لشرح تحولات النباتات،[62] وهي دراسة من 86 صفحة قوبلت باهتمام ضئيل خلال حياة غوته، ولكنها جعلته لاحقا أحد أحد مؤسسي علم التشكل المقارن. وفي «القصيدة التعليمية حول تحولات النباتات» التي كتبها عام 1798 جمع غوته بين الشعر والبحث الطبيعي، حيث كانت هذه القصيدة موجهة إلى «المحبوبة» (كريستيان فولبيوس) وتقدم تعاليمه التشكّلية في صورة مكثفة.[63] في تسعينيات القرن الثامن عشر، بدأ غوته أيضًا بحثه حول نظرية الألوان التي انشغل بها حتى نهاية حياته.
في أوائل تسعينيات القرن الثامن عشر نشر غوته المرثيات الرومانية وهي مجموعة من القصائد المثيرة للإعجاب والتي كتبها بعد فترة وجيزة من عودته من روما، وهي مكتوبة بأسلوب الشعر القديم وتندمج فيها ذكرى التجارب الثقافية والعاطفية في روما مع حبه الحسي والسعيد لكريستيانه فولبيوس. وقد نشرت عشرون من القصائد الأربع وعشرين في مجلة شيلر دي هورين عام 1795، ولم يحم غوته استبعاد القصائد الأربع الأكثر جرأة من استهجان مجتمع فايمار الذي اعتبر هذه المجموعة فاضحة.[19](ص.183- 186)
كان كل من غوته وشيلر على اطلاع على أعمال الآخر قبل أن يلتقيا شخصياً لأول مرة في خريف عام 1788 في رودولشتات، فقد قرأ شيلر على الأقل غوتس فون بيريشنغن وآلام فيرتر عندما كان طالباً في مدرسة كارل في شتوتغارت، ورأى غوته مرة يقف إلى جانب الدوق كارل أويغن بصفته زائراً مع دوق فايمار لحفل تخرج فصله في عام 1780.[21](ص.103) في المقابل قرأ غوته مسرحية شيلر «اللصوص» ولم يعجبه كم العنف فيها، وعندما عاد من إيطاليا أدهشته الشهرة المتزايدة التي كان يحظى بها شيلر آنذاك. ولاحقا صار غوته يقدر شعر شيار الفلسفي وكتاباته التاريخية.[21](ص.389)
تقلبت تغيرت أحكام شيلر ومشاعره تجاه غوته بسرعة في البداية فوصفه عدة مرات بأنه «أناني بارد»،[64] وتشير رسالة له إلى كريستيان كورنر إلى مشاعر متناقضة تجاه غوته: «أنا أكرهه.. على الرغم من أنني أحب روحه من كل قلبي».[65] لاحقا وجد شيلر الصيغة الملائمة: «لا حرية في مواجهة الممتاز إلا الحب» (رسالة إلى غوته من 2. يوليو 1796).
حصل اللقاء الشخصي الأول في رودولشتات بترتيب من شارلوت فون لينجفيلد الذي أصبحت فيما بعد زوجة شيلر، ولم يكن هذا اللقاء حارّاً، وقد عبّر شيلر في رسالة إلى كورنر عن شكه «فيما إذا كنا سنقترب كثيراً من بعضنا البعض».[66] بعد هذا اللقاء عين غوته شيلر في منصب أستاذية في جامعة يينا، بدون أجر في البداية.[21][67](ص.388)
عمل شيلر أستاذاً للتاريخ في جامعة يينا ابتداء من العام 1789، وفي يونيو 1794 الانضمام إلى فريق تحرير مجلة للثقافة والفن كان غوته ينوي تأسيسها، دي هورن.[21][68](ص.398) بعد موافقة غوته تواصلت اللقاءات بين الاثنين وكانت بمثابة تبادل مكثف للأفكار بينهما.[21](ص.396)
اتفق الشاعران في رفضهما للثورة وكذلك على توجههما للعصور القديمة باعتبارها أعلى مثال فني، كانت هذه بداية تحالف عمل مكثف استبعدت منه كل الاعتبارات الشخصية، ولكنه تميز في نفس الوقت بفهم عميق لطبيعة وطريقة عمل الآخر.
في المناقشة المشتركة للأسئلة الجمالية الأساسية، طور كلاهما مفهوم الأدب والفن الذي سيصبح «كلاسيكية فايمار»، للإشارة إلى الحقبة التاريخية الأدبية. وأخرج كل منهما الآخر من مرحلة ركود في عمله الأدبي، ويشير غوته إلى التأثير المحفز للعمل مع الشاب الذي يصغره بعشر سنوات: «لقد أعطيتني شاباً ثانياً وجعلتني شاعراً من جديد».[69]
في السنة الأولى من مجلة دي هورن ظهرت المرثيات الرومانية أول مرة تحت عنوان «مرثيات» وبدون تسمية المؤلف،[70] وتسبب نشرها بسخط «جميع النساء المحترمات» في فايمار، ودفع أيضا هردر إلى أن يقترح ساخرا كتابة اسم المجلة بحرفة الـ U، ليعني «المومسات» (بالألمانية: Die Huren).[52] في الأعوام 1795 و1796 نشر شيلر في المجلة أطروحته «عن الشعر الحساس والشعر الفطري» في ثلاث حلقات، وهو تصنيف شعري ساهم بشكل كبير في صورتيهما الذاتيتين: غوته الفطري وشيلر العاطفي.[71]
لعب الشاعران دوراً نظرياً وعملياً حيوياً في أعمال بعضهما البعض، وهكذا أثر غوته على ثلاثية شيلر المسرحية فالنشتاين، بينما رافق الأخير بصورة نقدية العمل في رواية غوته سنوات تعلّم فيلهلم مايستر، وشجعه على مواصلة فاوست.[21](ص.405- 407) ويعتبر بعض الكتاب المراسلات حول فيلهلم مايستر في الأعوام 1759-1796 ذروة العلاقة الفكرية بين غوته وشيلر.[20](ص.502)
عام 1797 نشر غوته وشيلر مجموعة مشتركة من القصائد الساخرة بعنوان هدايا المائدة،[72] وفي العام التالي[73] ظهرت قصصهما الأكثر شهرة، مثل صبي الساحر ودافن الكنز وعروس كورينت والرب والباجادير لغوته، والغطّاس ورانيق إبيكوس وخاتم بوليكراتس والقفاز والفارس توغنبورغ [الإنجليزية] لشيلر.
شكلت وفاة شيلر المفاجئة في 9 مايو 1805 ضربة لغوته أصا