Loading AI tools
ملكة مصر من 51 إلى 30 قبل الميلاد من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
كليوباترا السابعة أو كليوباترا اختصارًا (70/69 قبل الميلاد - 10 أغسطس 30 قبل الميلاد)، ملكة المملكة البطلمية في مصر من عام 51 وحتى 30 قبل الميلاد وآخر ملوكها. تنتمي كليوباترا إلى سلالة البطالمة وتعود في نسبها إلى مؤسس السلالة بطليموس الأول، وهو جنرال يوناني مقدوني ورفيق للإسكندر الأكبر. تحولت مصر إلى مقاطعة تابعة للإمبراطورية الرومانية بعد وفاة كليوباترا، ومثَّل هذا الحدث نهاية آخر دولة هلنتسية في البحر الأبيض المتوسط تأسست نتيجة تفكك الإمبراطوربة المقدونية. الجدير بالذكر أن لغة كليوباترا الأم كانت اليونانية العامية المختلطة، وهي الملكة البطلمية الوحيدة المعروفة التي أتقنت اللغة المصرية.
كليوباترا | |||||||
---|---|---|---|---|---|---|---|
(بالإغريقية: Κλεοπάτρα Φιλοπάτωρ) | |||||||
منحوتة رومانية لرأس كليوباترا | |||||||
|
|||||||
معلومات شخصية | |||||||
الميلاد | يناير 69 ق.م. الإسكندرية | ||||||
الوفاة | 12 أغسطس 30 ق.م. الإسكندرية | ||||||
سبب الوفاة | تسمم | ||||||
مكان الدفن | غير معروف | ||||||
مواطنة | المملكة البطلمية | ||||||
العرق | يونانية | ||||||
الزوج | بطليموس الثالث عشر (51 ق.م–47 ق.م) بطليموس الرابع عشر (47 ق.م–44 ق.م) مارك أنطوني (32 ق.م–30 ق.م) | ||||||
العشير | جنايوس بومبيوس ماجنس (49 ق.م–48 ق.م) يوليوس قيصر (48 ق.م–15 مارس 44 ق.م) | ||||||
الأب | بطليموس الثاني عشر | ||||||
الأم | يعتقد أنها كليوباترا الخامسة | ||||||
إخوة وأخوات | برينيكي الرابعة أرسينوي الرابعة بطليموس الثالث عشر بطليموس الرابع عشر | ||||||
عائلة | البطالمة | ||||||
الحياة العملية | |||||||
التعلّم | متحف الإسكندرية القديم | ||||||
المهنة | ملكة مصر | ||||||
اللغة الأم | الكوينيه | ||||||
اللغات | الكوينيه والمصرية | ||||||
الخدمة العسكرية | |||||||
المعارك والحروب | معركة أكتيوم | ||||||
تعديل مصدري - تعديل |
يُعتقد أن كليوباترا رافقت والدها بطليموس الثاني عشر حين نُفي إلى روما عام 58 قبل الميلاد بعد وقوع ثورة في مصر التي كانت آنذاك مقاطعة تابعة للرومان، مما سمح لابنته المنافسة برنيكي الرابعة كي تطالب بعرشه. قُتلت برنيكي الرابعة عام 55 قبل الميلاد عندما عاد بطليموس الثاني عشر إلى مصر بمساعدة عسكرية رومانية.
تولى كل من كليوباترا وشقيقها بطليموس الثالث عشر الحكم توليًا مشتركًا بعد وفاة بطليموس الثاني عشر عام 51 قبل الميلاد، ومع ذلك تدهورت علاقتهما وتحول الخلاف بينهما إلى حرب أهلية مفتوحة. فر رجل الدولة الروماني بومبيوس عام 48 قبل الميلاد إلى مصر بعد هزيمته في معركة فرسالوس في اليونان ضد منافسه يوليوس قيصر (ديكتاتور روماني وقنصل) في الحرب الأهلية التي خاضها قيصر. كان بومبيوس حليفًا سياسيًا لبطليموس الثاني عشر، لكن بطليموس الثالث عشر وبناءً على مشورة من رجال بلاطه، نصب كمينًا لبومبيوس واغتاله قبل وصول قيصر واحتلاله اللإسكندرية.
بذل قيصر جهودًا للتوسط والمصالحة بين الأشقاء البطالمة المتنازعين بعد مقتل بومبيوس، لكن بوثينوس رأى أن الشروط التي اقترحها قيصر للمصالحة كانت متحيزة لصالح كليوباترا، لذا أمر قواته بمحاصرة كليوباترا وقيصر في القصر الملكي. بعد وقت قصير من فك الحصار عن طريق التعزيزات، قُتِل بطليموس الثالث عشر في معركة النيل، ونُفِيت أرسينوي الرابعة أخت كليوباترا غير الشقيقة إلى أفسس لدورها في تنفيذ الحصار. في أعقاب هذه الأحداث أعلن قيصر أن كليوباترا وشقيقها بطليموس الرابع عشر حاكمان مشتركان، ومع ذلك حافظ قيصر على علاقة خاصة مع كليوباترا فأنجبت منه ابنها (قيصريون). سافرت كليوباترا بين عامي 46 و44 قبل الميلاد إلى روما وأقامت في فيلا قيصر. بعد اغتيال قيصر، وتلاه بعد ذلك بوقت قصير مقتل بطليموس الرابع عشر (بناء على أوامرها) عام 44 قبل الميلاد عيَّنت كليوباترا ابنها قيصريون حاكمًا مشاركًا باسم بطليموس الخامس عشر.
انحازت كليوباترا إلى الحكومة الثلاثية الرومانية الثانية التي شكلها كل من أوكتافيان (حفيد قيصر ووريثه) ومارك أنطوني وماركوس أميليوس ليبيدوس خلال حرب المحررين الأهلية من 43 إلى 42 قبل الميلاد. أقامت كليوباترا علاقة غرامية مع أنطوني بعد لقائهما في طرسوس عام 41 قبل الميلاد الذي أعدم أرسينوي الرابعة بناءً على طلبها، وأصبح يعتمد على كليوباترا اعتمادًا متزايدًا للحصول على التمويل والمساعدات العسكرية أثناء غزواته للإمبراطورية البارثية ومملكة أرمينيا. خلال تبرعات الأسكندرية أُعلن أبناء كليوباترا ومارك أنطوني: الأسكندر هيليوس وكليوباترا سيليني الثانية، وبطليموس فيلادلفوس حكامًا على مناطق مختلفة كانت تحت سلطة أنطوني الثلاثية سابقًا. أدى هذا الحدث إلى جانب زواج كليوباترا ومارك أنطوني وطلاق أنطوني من أوكتيفيا الصغرى (شقيقة أوكتافيان) إلى اندلاع الحرب النهائية للجمهورية الرومانية. انخرط أوكتافيان في حرب دعائية، وأجبر حلفاء أنطوني في مجلس الشيوخ الروماني على الفرار من روما عام 32 قبل الميلاد وأعلن الحرب على كليوباترا. بعد هزيمة أسطول أنطوني وكليوباترا البحري في معركة أكتيوم عام 31 قبل الميلاد، غزت قوات أوكتافيان مصر عام 30 قبل الميلاد مما أدى إلى هزيمة أنطوني وانتحاره لاحقًا، وعندما علمت كليوباترا أن أوكتافيان يخطط لإحضارها إلى موكب النصر الروماني قتلت نفسها بالسم، على عكس الاعتقاد الشائع بأنها تعرضت للدغة أفعى.
لا يزال إرث كليوباترا حاضرًا في الأعمال الفنية القديمة والحديثة. أنتج التأريخ الروماني [الإنجليزية] والشعر اللاتيني [الإنجليزية] وجهة نظر تنتقدها عمومًا كملكة، وهو المنظور الذي استمر في التأثير على أدب العصور الوسطى وعصر النهضة لاحقًا. وخُلِّدت صورتها في الفنون البصرية عبر التاريخ والتي تشمل صورها القديمة والتماثيل النصفية واللوحات والمنحوتات الرومانية والنقوش الزجاجية والعملات البطلمية والرومانية والنقوش البارزة. كانت كليوباترا في عصر النهضة والفن الباروكي موضوعًا للعديد من الأعمال بما في ذلك الأوبرا واللوحات والشعر والمنحوتات والدراما المسرحية، وأصبحت رمزًا للثقافة الشعبية للهوس بالمصريات منذ العصر الفيكتوري، وظهرت في العصر الحديث في الفنون التطبيقية والجميلة، والهجاء الهزلي، وأفلام هوليوود، وفي صور العلامات التجارية لبعض المنتجات.
كان رئيس كهنة بتاح المصري في ممفيس يتوج الفراعنة من سلالة البطالمة، لكن مقر إقامتهم الفعلي هو في مدينة الإسكندرية اليونانية متعددة الثقافات إلى حد كبير التي أسسها الإسكندر الأكبر المقدوني.[1] تحدث البطالمة باللغة اليونانية وحكموا مصر تمامًا كالملوك اليونانيين الهلنستيين رافضين تعلم اللغة المصرية الأصلية.[2] في المقابل أجادت كليوباترا التحدث بلغات متعددة بحلول سن الرشد وكانت أول ملك بطلمي يتعلم اللغة المصرية.[3]
ذكر الفيلسوف والمؤرخ اليوناني بلوطرخس أن كليوباترا أجادت التحدث بعدة لغات كاللغة المروية، والعبرية (أو الآرامية)، والعربية، والسورية (على الأرجح السريانية)، والميدية، والفرثية، واللاتينية أيضًا، على الرغم من أن معاصريها الرومان كانوا يفضلون التحدث معها باليونانية العامية المختلطة وهي لغتها الأصلية.[4] وبصرف النظر عن اليونانية والمصرية واللاتينية، عكست هذه اللغات رغبة كليوباترا في استعادة مناطق شمال إفريقيا وغرب آسيا التي كانت تنتمي يومًا إلى المملكة البطلمية.[5]
سبق التدخل الروماني في مصر عهد كليوباترا.[6] عندما توفي بطليموس التاسع في أواخر سنة 81 قبل الميلاد خلفته ابنته برنيكي الثالثة.[7] رأى الحاكم الروماني الدكتاتور سولا عداءًا متزايدًا في البلاط الملكي لفكرة وجود ملكة واحدة حاكمة، فرتب لبرنيكي الثالثة تقاسم الحكم مع ابن عمها وربيبها بطليموس الحادي عشر والزواج منه.[7]
قَتَلَ بطليموس الحادي عشر زوجته برنيكي الثالثة عام 80 قبل الميلاد بعد فترة وجيزة من زواجهما، مما أدى إلى اندلاع أعمال شغب عنيفة أعدم على إثرها الحشد الغاضب بطليموس الحادي عشر دون محاكمة نتيجة لهذا الفعل.[8] وضع بطليموس الحادي عشر قبل وفاته (ربما مع عمه بطليموس التاسع أو والده بطليموس العاشر) خطة لجعل المملكة البطلمية تابعة لروما كضمان للحصول على القروض، مما منح الرومان تبريرًا قانونيًا لتولي السيطرة على مصر بعد وفاة بطليموس الحادي عشر.[9] ومع ذلك اختار الرومان تقسيم المملكة البطلمية بين الأبناء غير الشرعيين لبطليموس التاسع، فمنحوا قبرص لبطليموس القبرصي ومصر لبطليموس الثاني عشر (والد كليوباترا).[10]
ولدت كليوباترا السابعة أوائل عام 69 قبل الميلاد للفرعون البطلمي الحاكم بطليموس الثاني عشر وأم مجهولة الهوية[11] يرجح أنها كليوباترا الخامسة (التي ربما هي نفسها كليوباترا السادسة تريفاينا)[12] والتي أنجبت أيضا شقيقة كليوباترا الكبرى برينيكي الرابعة.[13] اختفى اسم كليوباترا تريفينا من السجلات الرسمية عام 69 قبل الميلاد بعد أشهر قليلة من ولادة كليوباترا.[14] الأطفال الثلاثة الأصغر سنًا لبطليموس الثاني عشر (أشقاء كليوباترا) هم أرسينوي الرابعة وبطليموس الثالث عشر وبطليموس الرابع عشر[13] وجميعهم ولدوا في غياب زوجته (أي ربما كان الزوجان منفصلين آنذلك).[15] تلقت كليوباترا تعليمها في طفولتها على يد مدرسها فيلوستراطوس الذي علمها فن الخطابة والفلسفة اليونانية.[16] يعتقد أن كليوباترا تابعت دراستها خلال شبابها في متحف الإسكندرية القديم الذي كان آنذاك جزءًا من مكتبة الإسكندرية.[17]
دعا الرقيب الروماني ماركوس ليسينيوس كراسوس في عام 65 قبل الميلاد أمام مجلس الشيوخ الروماني إلى ضم مصر البطلمية، لكن مشروع قانونه المقترح رُفض، ورُفض مشروع قانون مشابه قدمه الأطربون سيرفيليوس رولوس [الإنجليزية] في 63 قبل الميلاد.[18] ورداً على التهديد الذي كان يلوح في الأفق بضم مصر البطلمية، اتخذ بطليموس الثاني عشر حاكم مصر آنذاك تدابير لعرقلة الإنضمام من خلال تقديم مكافآت وهدايا سخية لإرضاء رجال الدولة الرومانيين المؤثرين وكسب تأييدهم، أحد الأمثلة على ذلك كان بومبيوس الذي تلقى هذه الحوافز خلال حملته العسكرية ضد ميثراداتس السادس، وتلقى أيضًا قيصر مكافآت بعد أن تولى منصب القنصل الروماني عام 59 قبل الميلاد.[19] في النهاية تسبب سلوك بطليموس الثاني عشر المتهور في إفلاسه، فاضطر إلى الحصول على قروض من المصرفي الروماني جايوس رابيريوس بوستوموس [الإنجليزية].[20]
ضم الرومان قبرص عام 58 قبل الميلاد، وبناءً على اتهامات بالقرصنة أجبروا بطليموس القبرصي (شقيق بطليموس الثاني عشر) على الانتحار بدلاً من نفيه إلى بافوس.[21] التزم بطليموس الثاني عشر الصمت علنًا بشأن وفاة أخيه، وهو القرار الذي أضر بمصداقيته بين رعاياه الذين كانوا غاضبين بالفعل من سياساته الاقتصادية، إلى جانب تنازله عن الأراضي البطلمية التقليدية للرومان.[22] لاحقًا نُفي بطليموس الثاني عشر من مصر بالقوة، فسافر أولاً إلى رودس، ثم إلى أثينا، واستقر أخيراً في منزل ريفي روماني يملكه الحاكم الثلاثي بومبيوس يقع في تلال ألبان بالقرب من بالسترينا في إيطاليا.[23]
أقام بطليموس الثاني عشر في ضواحي روما لمدة عام تقريبًا برفقة ابنته كليوباترا التي كانت تبلغ من العمر 11 عامًا تقريبًا آنذاك.[24] خلال هذه الفترة أرسلت برينيكي الرابعة (إبنة بطليموس الثاني عشر من زواج سابق) سفراء إلى روما تدافع فيها عن أحقيتها في الحكم وتعارض إعادة والدها إلى منصبه، فلجأ بطليموس الثاني عشر إلى توظيف قتلة لاغتيال السفراء، وهي الجريمة التي تستر عليها مؤيدوه الرومان المؤثرين.[25] وعندما رفض مجلس الشيوخ الروماني طلبه بمرافقة مسلحة وإمدادات لرحلة العودة إلى مصر، اتخذ بطليموس الثاني عشر قرارًا بمغادرة روما أواخر عام 57 قبل الميلاد واستقر في معبد أرتميس في أفسس.[26]
أصر المصرفيون الرومانيون في عهد بطليموس الثاني عشر والموالون له على إعادته إلى السلطة.[27] حاول بومبيوس جاهدًا إقناع أولوس جابينيوس [الإنجليزية] الحاكم الروماني لسوريا بغزو مصر وإعادة تنصيب بطليموس الثاني عشر وعرض عليه مبلغ 10000 طالن لتنفيذ المقترح.[28] وبالرغم من أن هذا الغزو يتعارض مع القانون الروماني، إلا أن جابينيوس هاجم مصر في ربيع عام 55 قبل الميلاد عبر الأراضي التي تسيطر عليها السلالة الحشمونية، ورتب هيركانوس الثاني (ملك السلالة الحشمونية) مع أنتيباتر الأدومي (والد هيرودس الكبير) لتزويد الجيش بالإمدادات اللازمة.[29] كان مارك أنطوني ضابطًا شابًا في سلاح الفرسان تحت قيادة أولوس جابينيوس [الإنجليزية]،[وب 1][30] عزز سمعته جندياً شجاعاً عندما منع بطليموس الثاني عشر من تنفيذ مذبحة بسكان مدينة بيلوسيون، وأنقذ جثة أرخيلوس [الإنجليزية] (رئيس الكهنة وزوج برينيكي الرابعة) الذي قُتل في المعركة ودفنها بمراسم ملكية مناسبة.[31] من المرجح أن كليوباترا البالغة من العمر 14 عامًا آنذاك قد رافقت الحملة الرومانية إلى مصر، اعترف أنطوني بعد سنوات أنه وقع في حبها في هذا الوقت.[32]
قُدِّم جابينيوس للمحاكمة في روما بتهمة إساءة استخدامه لسلطته ولكن نال حكم البراءة في النهاية، لاحقًا قُدِّم للمحاكمة للمرة الثانية بتهمة قبوله للرشاوى مما أدى إلى نفيه. بعد قضاءه سبع سنوات في المنفى، استدعاه قيصر في النهاية عام 48 قبل الميلاد.[33] حل كراسوس مكانه كحاكم لسوريا ووسع قيادته الإقليمية إلى مصر، لكنه قُتل على يد البارثيين في معركة كارهاي سنة 53 قبل الميلاد.[34] أمر بطليموس الثاني عشر بإعدام برينيكي الرابعة وحلفائها الأثرياء وصادر ممتلكاتهم،[35] وسمح لحامية جابينيوس العسكرية المكونة من أفراد من شعب الجرمان والغاليون بمضايقة الناس في شوارع الإسكندرية وعين صديقه المصرفي الروماني جايوس رابيريوس بوستوموس [الإنجليزية] الذي يثق به مديرًا ماليًا له.[36]
وُضع بوستوموس في غضون عام تحت الحجز الوقائي وأعيد إلى روما بعد أن أصبحت حياته معرضة للخطر بسبب استنزاف الموارد في مصر،[37] وبالرغم من هذه المشكلات، صاغ بطليموس الثاني عشر وصية أعلن فيها أن كل من كليوباترا وبطليموس الثالث عشر هما ورثته، وأشرف على مشاريع البناء الكبرى مثل معبد إدفو ومعبد آخر في دندرة، وعمل على استقرار الاقتصاد.[38] في 31 مايو 52 قبل الميلاد، أصبحت كليوباترا وصية على عرش بطليموس الثاني عشر، وهذا يتضح من النقش الذي اكتشف في معبد حتحور في دندرة.[39] لم يكن بوستوموس قادرًا على تحصيل كامل ديون بطليموس الثاني عشر بحلول وقت وفاة الأخير، نتيجة لذلك ورثت كليوباترا وبطليموس الثالث عشر هذه الديون.[40]
توفي بطليموس الثاني عشر في وقت ما قبل 22 مارس سنة 51 ق. وبعد وقت قصير من توليها الحكم، انطلقت كليوباترا في رحلة إلى مدينة أرمنت الواقعة بالقرب من طيبة للمشاركة في احتفالات تنصيب ثور بوخيس، وهو كيان مقدس يحظى بالتبجيل كوسيط للإله منتو في الديانة المصرية القديمة.[41] واجهت كليوباترا العديد من القضايا الملحة والطارئة بعد فترة وجيزة من توليها العرش، شمل ذلك المجاعة الشديدة الناجمة عن الجفاف وانخفاض مستوى فيضانات النيل السنوية والسلوك الخارج عن القانون والفوضى التي حرض عليها مقاتلو جابينياني وهم الجنود الرومان العاطلين عن العمل الذين تركهم أولوس جابينيوس [الإنجليزية] لحامية مصر.[42] ورثت كليوباترا ديون والدها، وكانت مدينة للجمهورية الرومانية بمبلغ 17.5 مليون دراخما.[43]
أرسل ماركوس كالبورنيوس بيبولوس [الإنجليزية] حاكم سوريا ولديه الأكبرين إلى مصر عام 50 قبل الميلاد، على الأرجح للتفاوض مع الجابينياني وتجنيدهم للدفاع اليائس عن سوريا ضد البارثيين.[44] لكن الجابينياني اعتقلوهما وعذبوهما وقتلوهما في النهاية، ربما بدعم سري من كبار المسؤولين المارقين في بلاط كليوباترا.[45] قبضت كليوباترا على الجناة الجابينياني وأرسلتهم إلى بيبولوس كأسرى في انتظار أن يُصدر حكمه عليهم، لكن بيبولوس أعادهم إلى كليوباترا ووبخها لتدخلها في قضيتهم كونها من اختصاص مجلس الشيوخ الروماني.[46] فشل بيبولوس الذي وقف إلى جانب بومبيوس في حرب قيصر الأهلية في منع قيصر من إنزال أسطول بحري في اليونان، مما سمح لقيصر في النهاية بالوصول إلى مصر لملاحقة بومبيوس.[47]
بدأت السجلات الرسمية تشير إلى كليوباترا كحاكم وحيد بحلول 29 أغسطس 51 قبل الميلاد، مما يشير لرفضها مشاركة شقيقها بطليموس الثالث في الحكم.[48] من المرجح أنها تزوجته،[49] لكن لا أحد يثبت ذلك في السجلات.[50] أصبح زواج الأخوة عادة بطلمية شائعة خلال حكم بطليموس الثاني وشقيقته أرسينوي الثانية،[51] كره الإغريق القدماء هذه العادة الملكية المصرية القديمة،[52] ولكن بحلول عصر كليوباترا كان يُنظر إليها على أنها عادة نموذجية للملوك البطالمة.[52]
على الرغم من رفض كليوباترا الاعتراف به حاكمًا مشاركًا، حافظ بطليموس الثالث عشر على قاعدة دعم قوية، لا سيما بين الشخصيات المؤثرة مثل بوثينوس معلمه والوصي عليه ومدير ممتلكاته في طفولته.[53] تآمر أيضًا ضد كليوباترا بعض الشخصيات النافذة مثل أخيلاس القائد العسكري البارز، و ثيودوت [الإنجليزية] وهو معلم آخر لبطليموس الثالث عشر.[54] حاولت كليوباترا لفترة وجيزة تشكيل تحالف مع شقيقها الآخر بطليموس الرابع عشر، ولكن بحلول خريف عام 50 قبل الميلاد، اكتسب بطليموس الثالث عشر اليد العليا في الصراع على السلطة، فبدأ بتوقيع الوثائق باسمه الخاص قبل اسم كليوباترا وأسس أول تأريخ لبدايه حكمه في عام 49 قبل الميلاد، مما يشير إلى تزايد سلطته وسيطرته على المملكة.[55]
كانت كليوباترا وقواتها في صيف عام 49 قبل الميلاد لا تزال تقاتل ضد بطليموس الثالث عشر داخل الإسكندرية، خلال هذا الوقت وصل جنايوس بومبيوس (ابن بومبيوس) ناشدًا المساعدة العسكرية نيابة عن والده.[56] عاد قيصر إلى إيطاليا في يناير عام 49 قبل الميلاد بعد أن أنتهى من حملاته في بلاد الغال واجتياز الروبيكوني، وأجبر بومبيوس وأنصاره على الفرار إلى اليونان.[57] وافق كل من كليوباترا وبطليموس الثالث عشر (ربما في مرسومهما المشترك الأخير) على طلب جنايوس بومبيوس فأرسلوا لوالده 60 سفينة و500 جندي بما في ذلك مجموعة المقاتلين (جابينياني)، وهي خطوة ساعدت في محو بعض الديون المستحقة لروما.[58] اضطرت كليوباترا بعد خسارة القتال ضد شقيقها إلى الفرار من الإسكندرية والانسحاب إلى منطقة طيبة.[59] وسافرت بحلول ربيع عام 48 قبل الميلاد إلى سوريا الرومانية برفقة أختها الصغرى أرسينوي الرابعة لحشد قوة عسكرية والعودة بها إلى مصر،[60] لكن قوات شقيقها منعتها من التقدم نحو الإسكندرية، بما في ذلك بعض مقاتلي الجابينياني الذين حُشدوا للقتال ضدها، نتيجة لذلك أقامت كليوباترا معسكرًا خارج بيلوسيون في شرق دلتا النيل.[61]
اشتبكت قوات قيصر وبومبيوس في 9 أغسطس 48 قبل الميلاد في معركة فارسالوس الحاسمة في اليونان، نتج عن هذه المواجهة العنيفة هزيمة مدمرة لجيش بومبيوس مما أجبره على الانسحاب والهروب القسري إلى مدينة صور بلبنان.[62] اتخذ بومبيوس قرارًا باللجوء إلى مصر بسبب علاقاته الوثيقة مع سلالة البطالمة الحاكمة، معتقدًا أنه يمكنه إعادة تجميع قواته والحصول على الدعم هناك.[63] ومع ذلك، خشي مستشارو بطليموس الثالث عشر من استخدام بومبيوس لمصر كقاعدة له في حرب أهلية رومانية طويلة الأمد، فابتكر ثيودوت [الإنجليزية] خطة لاغتيال بومبيوس فبعث له برسالة يدعوه فيها إلى القدوم، وحين وصل بومبيوس في 28 سبتمبر 48 قبل الميلاد على متن سفينة وعند اقترابه من بيلوسيون نُصب له كمين وطُعن حتى الموت.[64] أرسل بطليموس الثالث عشر (في محاولة لإظهار قوته ونزع فتيل الأزمة) رأس بومبيوس مقطوعًا ومحنطًا إلى قيصر الذي وصل إلى الإسكندرية أوائل أكتوبر وأقام في القصر الملكي.[65] أعرب قيصر عن حزنه وغضبه لمقتل بومبيوس ودعا كلاً من بطليموس الثالث عشر وكليوباترا إلى حل قواتهما والتصالح مع بعضهما البعض.[66]
وصل بطليموس الثالث عشر إلى الإسكندرية على رأس جيشه متحديًا أمر قيصر بحل الجيش والمغادرة مع قواته قبل وصوله.[67] في البداية أرسلت كليوباترا مبعوثين إلى قيصر، وبعد أن بلغها بأنه يميل إلى إقامة علاقات مع النساء الملكيات، سافرت إلى الإسكندرية لرؤيته شخصيًا.[68] وفقًا للمؤرخ كاسيوس ديو فقد عزمت على المضي بهذه الرحلة دون إبلاغ شقيقها وارتدت ملابس أنيقة وسحرت قيصر بذكائها.[69] في حين يذكر المؤرخ بلوطرخس رواية مختلفة تمامًا يقول فيها أن كليوباترا كانت مخبأة داخل كيس وهُرِّبَت سرًّا إلى القصر لمقابلة قيصر.[70]
عندما علم بطليموس الثالث عشر بأن شقيقته كليوباترا داخل القصر مع قيصر، سعى إلى إثارة سكان الإسكندرية ودفعهم للقيام بأعمال شغب واضطرابات، لكن قيصر اعتقله واستخدم مهاراته الخطابية المقنعة لتهدئة الحشد الغاضب،[71] لاحقًا دعا قيصر كل من كليوباترا وبطليموس الثالث عشر للمثول أمام مجلس الإسكندرية، وكشف عن وصية مكتوبة مخفية لأبيهما بطليموس الثاني عشر (كانت في حوزة بومبيوس سابقًا) تنص على تسمية كليوباترا وبطليموس الثالث عشر كوريثان مشتركان للعرش،[72] ثم حاول قيصر أن يرتب للأخوين الآخرين أرسينوي الرابعة وبطليموس الرابع عشر ليحكما على قبرص حكمًا مشتركًا، وبذلك إزاحة المطالبين المنافسين المحتملين للعرش المصري واسترضاء الرعايا البطالمة الذين كانوا يشعرون بالحسرة بسبب خسارة قبرص للرومان عام 58 قبل الميلاد.[73]
شعر بوثينوس بأن هذه الوصية قد فضلت كليوباترا على بطليموس الثالث عشر، فقرر تشكيل قوة عسكرية للزحف إلى الاسكندرية ومحاربة كل من قيصر وكليوباترا، ونصَّب أخيلاس قائدًا لهذه القوات مرجحًا أن جيش بطليموس الثالث عشر والمكون من 20 ألف جندي بما فيهم مقاتلوا الجابينياني يمكن أن يهزم جيش قيصر المكون من 4000 جندي غير مدعوم،[74] لكن قيصر ألقى القبض على بوثينوس وأعدمه فتغير مسار الأحداث، ثم تحالفت أرسينوي الرابعة مع أخيلاس ونُِّصبت ملكة، وبعد فترة وجيزة قتل معلمها غانيمديس [الإنجليزية] القائد أخيلاس ونصب نفسه مكانه كقائد لجيش أرسينوي الرابعة.[75] لاحقًا استخدم غانيمديس [الإنجليزية] حيلة ذكية لخداع قيصر، إذ طلب منه السماح لبطليموس الثالث عشر الذي كان أسيرًا آنذلك بالقدوم والمشاركة في المفاوضات، لكن غرضه الحقيقي كان اقناع بطليموس الثالث عشر بالإنضمام إلى جيش أرسينوي الرابعة.[76] وبالفعل خان بطليموس الثالث عشر ثقة قيصر وانضم إلى جيش أرسينوي الرابعة. أدى هذا التحول في الأحداث إلى إطالة أمد الحصار على القصر الذي كانت كل من وكليوباترا وقيصر محاصرين معًا داخله، استمر هذا الحصار حتى عام 47 قبل الميلاد.[77]
وصلت تعزيزات عسكرية لدعم قيصر في وقت ما بين يناير ومارس من عام 47 قبل الميلاد، بما في ذلك القوات التي يقودها ميثريداتس بيرغامون [الإنجليزية] وأنتيباتر الأدومي.[78] سحب بطليموس الثالث عشر وأرسينوي الرابعة قواتهما إلى نهر النيل حين بدأ قيصر بالهجوم عليهما، استقل بطليموس الثالث عشر قاربًا في محاولة يائسة للهرب لكنه انقلب وغرق.[79] من المرجح أن غانيمديس [الإنجليزية] قد قتل في هذه المعركة، وعُثر على ثيودوت [الإنجليزية] بعد سنوات في آسيا على يد ماركوس جونيوس بروتوس وأعدم، أما أرسينوي الرابعة فقد قُبض عليها وأُرسلت إلى روما لشارك قسرًا في عرض انتصار قيصر في روما ثم نفيت لاحقًا إلى معبد أرتميس في أفسس.[80] كانت كليوباترا غائبة غيابًا واضحًا عن هذه الأحداث ومقيمة في القصر، على الأرجح لأنها كانت حامل بطفل قيصر منذ 48 سبتمبر قبل الميلاد.[81] انتهت فترة ولاية قيصر كقنصل في نهاية عام 48 ق.م.[82] ومع ذلك ساهم أنطوني الذي كان أحد ضباطه في تعيين قيصر في منصب ديكتاتور وهو المنصب الذي شغله لمدة عام تقريبا (حتى أكتوبر 47 قبل الميلاد)، مما منح قيصر السلطة القانونية لتسوية النزاع الأسري في مصر.[82] وخوفًا من تكرار الخطأ السابق الذي ارتكبه مع برينيكي الرابعة (أخت كليوباترا) التي حكمت باعتبارها العاهل الأنثى الوحيدة، كان قيصر أكثر حذرًا هذه المرة، إذ عين بطليموس الرابع عشر (شقيق كليوباترا) البالغ من العمر 12 عامًا حاكمًا مشاركًا، ورتب له الزواج من كليوباترا البالغة من العمر 22 عامًا زواجًا رمزيًا. ومع ذلك ظلت كليوباترا تقيم خصوصًا مع قيصر.[83] التاريخ الدقيق الذي عادت فيه قبرص إلى سيطرة كليوباترا غير معروف، على الرغم من أنها عينت حاكمًا هناك بحلول عام 42 قبل الميلاد.[84]
يُزعم أن قيصر انضم إلى كليوباترا في رحلة بحرية عبر نهر النيل لمشاهدة المعالم الأثرية المصرية،[85] قد تعكس هذه القصة الرومانسية ميول الأثرياء الرومان اللاحقين وليست بالضرورة أن تكون حدثًا تاريخيًا حقيقيًا.[86] قدم المؤرخ سوتونيوس تفاصيل كثيرة حول هذه الرحلة بما في ذلك استخدام (الثالاميغوس [الإنجليزية])، وهي بارجة ترفيهية بناها بطليموس الرابع بلغ طولها 90 مترًا (300 قدمًا) وارتفاعها 24 مترًا (80 قدمًا) واحتوت على غرف طعام وغرفًا رسمية ومزارات مقدسة ومتنزهات على طابقيها وكانت أشبه بفيلا عائمة.[87] من الممكن أن يكون اهتمام قيصر بالرحلة النيلية هو بسبب شغفه بالجغرافيا؛ إذ كان يقرأ جيدًا أعمال إراتوستينس وبيثياس، وربما أراد اكتشاف منبع نهر النيل، لكنه عاد قبل أن يصل إلى إثيوبيا.[88]
غادر قيصر مصر قرابة أبريل 47 قبل الميلاد بدعوى مواجهة فارناسيس الثاني ملك بونتوس [الإنجليزية] ابن ميثريداتس السادس الذي كان يثير المشكلات لروما في الأناضول.[89] من المرجح أن قيصر (المتزوج من المرأة الرومانية البارزة كالبورنيا) قد سعى أيضًا إلى تجنب الظهور مع كليوباترا عندما أنجبت ابنهما.[90] ترك قيصر في مصر ثلاثة فيالق وزادت فيما بعد إلى أربعة، ووضعت هذه الفيالق تحت قيادة المعتوق روفيو [الإنجليزية]، بهدف حماية وضع كليوباترا غير المستقر، وربما أيضًا لإبقاء أنشطتها تحت السيطرة والمراقبة.[91]
وُلد قيصريون الطفل المزعوم لكليوباترا وقيصر في 23 يونيو 47 قبل الميلاد وكان اسمه في الأصل (فرعون قيصر) مثلما هو موثق على شاهد عثر عليه في سيرابيوم في سقارة.[92] امتنع قيصر (ربما بسبب زواجه من كالبورنيا التي لم تنجب له أي أطفال في تلك المرحلة) عن الإدلاء بتصريحات عامة حول قيصريون (ولكن ربما اعترف بنسبه في حوارات خاصة).[93] من ناحية أخرى، أصدرت كليوباترا تصريحات رسمية متكررة حول نسب قيصريون، وكانت دائمًا ما تشير إلى قيصر صراحة على أنه والد الطفل.[94]
زارت كليوباترا وحاكمها المشترك الإسمي بطليموس الرابع عشر روما في وقت ما في أواخر عام 46 قبل الميلاد دون قيصرون على الأرجح، ومنحا السكن في فيلا قيصر الواقعة داخل هورتي القيصرية [الإنجليزية]،[95] منح قيصر كل من كليوباترا وبطليموس الرابع عشر (كما فعل مع والدهما بطليموس الثاني عشر من قبل) الوضع القانوني «صديقًا وحليفًا للشعب الروماني»، مما جعلهما حكامًا تابعين في الولاء لروما.[96] كان من بين زوار كليوباترا في فيلا قيصر الواقعة بالقرب من نهر التيبر هو السيناتور شيشرون الذي وجد سلوكها متعجرفًا إلى حد ما.[97] لعب سوسيجينيس الإسكندري (أحد أعضاء بلاط كليوباترا) دورًا في مساعدة قيصر في الحسابات اللازمة لتنفيذ التقويم اليولياني الجديد، والذي دخل حيز التنفيذ في 1 يناير 45 قبل الميلاد.[98] كان معبد فينوس جينيتريكس الذي أنشئ في منتدى قيصر في 25 سبتمبر 46 قبل الميلاد يحتوي على تمثال ذهبي لكليوباترا (الذي ظل قائمًا هناك حتى القرن الثالث الميلادي على الأقل)، ربط هذا التمثال بين كليوباترا مباشرة بالإلهة فينوس التي كانت تعتبر أم الشعب الروماني.[99] بالإضافة إلى ذلك، ربط التمثال بين الإلهة المصرية إيزيس والدين الروماني.[100]
من المرجح أن وجود كليوباترا في روما كان له تأثير على الأحداث التي وقعت في مهرجان لوبركاليا والذي أقيم قبل شهر من اغتيال قيصر.[101] خلال المهرجان، حاول أنطوني وضع إكليل ملكي على رأس قيصر، لكن الأخير رفض فيما كان على الأرجح عرضًا مسرحيًا، ربما كان يهدف إلى تقييم مدى تقبل الجمهور الروماني لفكرة اعتناق ملكية على الطراز الهلنستي.[101] استفسر شيشرون الذي كان حاضرًا في المهرجان ساخرًا عن أصل الإكليل، في إشارة واضحة إلى الملكة البطلمية كليوباترا التي كان يمقتها.[101]
اغتيل قيصر في منتصف شهر مارس (15 مارس 44 ق.م.)، ومع ذلك ظلت كليوباترا مقيمة في روما حتى منتصف أبريل تقريبًا على أمل يائس بالحصول على اعتراف بقيصرون كوريث لعرش قيصر.[102] ومع ذلك، فإن وصية قيصر أشارت إلى حفيده أوكتافيان باعتباره الوريث الأساسي. وصل أوكتافيان بعد ذلك إلى إيطاليا في نفس الوقت تقريبًا الذي قررت فيه كليوباترا العودة إلى مصر.[103] وبعد بضعة أشهر، قتلت كليوباترا شقيقها بطليموس الرابع عشر بالسم، ورفعت ابنها قيصريون ليكون حاكمًا مشاركًا لها.[104]
شكل أوكتافيان وأنطوني وماركوس أميليوس ليبيدوس الحكومة الثلاثية الثانية في عام 43 قبل الميلاد، وانتُخب كل منهم لمدة خمس سنوات بهدف استعادة النظام في الجمهورية وتقديم قتلة قيصر إلى العدالة.[105] خلال هذا الوقت تلقت كليوباترا رسائل من غايوس كاسيوس لونغينوس (أحد قتلة قيصر) وبوبليوس كورنيليوس دولابيلا [الإنجليزية] حاكم سوريا والموالي للقياصرة ينشدان المساعدة العسكرية.[106] وردًا على ذلك، أرسلت كليوباترا رسالة إلى غايوس توضح فيها أن مملكتها تواجه العديد من المشكلات الداخلية، مما يجعل من المستحيل عليها تقديم المساعدة العسكرية، بينما أرسلت كليوباترا الجحافل الأربعة التي تركها قيصر في مصر لدعم دولابيلا.[107] لكن غايوس ولسوء الحظ تمكن من الاستيلاء على هذه القوات في فلسطين.[107]
انشق سيرابيون [الإنجليزية] (حاكم قبرص في عهد كليوباترا) وتحالف مع غايوس وزوده بالسفن، أبحرت كليوباترا بأسطولها الخاص إلى اليونان بهدف تقديم الدعم المباشر لأوكتافيان وأنطوني. لكن سفنها تعرضت لأضرار جسيمة بسبب عاصفة في البحر الأبيض المتوسط فوصلت بعد فوات الأوان للمساعدة في القتال.[108] نجح أنطوني في هزيمة قتلة قيصر في معركة فيليبي في اليونان بحلول خريف عام 42 قبل الميلاد، مما أدى في النهاية إلى انتحار غايوس وماركوس جونيوس بروتوس.[109]
سيطر أوكتافيان بحلول نهاية عام 42 قبل الميلاد على جزء كبير من النصف الغربي من الجمهورية الرومانية في حين سيطر أنطوني على النصف الشرقي، مما أدى إلى تهميش دور ماركوس أميليوس ليبيدوس إلى حد كبير.[110] أنشأ أنطوني في صيف عام 41 قبل الميلاد مقره الرئيسي في طرسوس في الأناضول واستدعى كليوباترا هناك وأرسل لها عدة رسائل، لكنها في كل مرة كانت ترفض القدوم إلى أن أقنعها مبعوث أنطوني كوينتوس ديليوس [الإنجليزية] بالمجيء.[111] سمح هذا الاجتماع لكليوباترا بتوضيح الاعتقاد الخاطئ عنها بأنها دعمت كاسيوس خلال الحرب الأهلية ومعالجة التبادلات الإقليمية في بلاد الشام، لكن أنطوني أيضًا رغب بلا شك في تكوين علاقة رومانسية شخصية معها.[112] أبحرت كليوباترا عبر نهر كيدنوس إلى طرسوس باستخدام الثالاميغوس (مركب عائم)، واستضافت أنطوني وضباطه لمدة ليلتين على متن السفينة المليئة بالمآدب الفخمة.[113] نجحت كليوباترا في تبرئة نفسها، موضحة أن نيتها الحقيقية كانت دعم بوبليوس كورنيليوس دولابيلا [الإنجليزية] في سوريا وليس غاسيوس، وأقنعت أنطوني بإعدام أختها المنفية أرسينوي الرابعة في أفسس،[114] وسُلِّم حاكم قبرص المتمرد السابق إلى كليوباترا لإعدامه.[115]
وجهت كليوباترا دعوة إلى أنطوني للقدوم إلى مصر قبل مغادرتها لطرسوس، فقبل الدعوة ووصل إلى الإسكندرية بحلول عام 41 نوفمبر قبل الميلاد.[116] قوبل وصوله باستقبال حار من أهل الإسكندرية الذين كانوا يكنون له تقديرًا كبيرًا لجهوده البطولية في إعادة بطليموس الثاني عشر إلى العرش ولقدومه إلى مصر دون قوة احتلال مثلما فعل قيصر.[117] واصل أنطوني في مصر بالاستمتاع بأسلوب الحياة الملكي الفخم الذي شهده على متن سفينة كليوباترا التي رست في طرسوس،[118] بالإضافة إلى ذلك فقد كلف مرؤوسيه ومنهم بوبليوس فينتيديوس باسوس [الإنجليزية] بمهمة طرد البارثيين من الأناضول وسوريا.[119]
اختارت كليوباترا أنطوني بعناية ليكون شريكًا لها في إنجاب المزيد من الورثة، إذ كان يُعتبر أقوى شخصية رومانية بعد وفاة قيصر.[120] وبفضل صلاحياته كحاكم ثلاثي، كان لأنطوني أيضًا سلطة واسعة لاستعادة الأراضي البطلمية السابقة التي أصبحت تحت السيطرة الرومانية وإعادتها إلى كليوباترا.[121] في حين أنه من الواضح أن كلا من قيليقية وقبرص كانتا تحت سيطرة كليوباترا بحلول 19 نوفمبر 38 قبل الميلاد، فمن المحتمل أن استعادة الأراضي قد حدث في وقت سابق في شتاء 41-40 قبل الميلاد خلال الفترة التي قضتها مع أنطوني.[122]
غادر أنطوني مصر بحلول ربيع عام 40 قبل الميلاد بسبب الاضطرابات في سوريا، إذ قُتل حاكمه لوسيوس ديسيديوس ساكسا [الإنجليزية] واستولى كوينتوس لابينوس [الإنجليزية] على جيشه، وهو ضابط سابق في عهد غايوس وكان متحالفًا مع الإمبراطورية البارثية.[123] قدمت كليوباترا لأنطوني 200 سفينة لحملته وكدفعة للأراضي المكتسبة حديثًا.[123] لم تتمكن كليوباترا من رؤية أنطوني مرة أخرى حتى عام 37 قبل الميلاد، لكنها حافظت على المراسلات بينهما، وتشير الأدلة إلى أنها احتفظت بجاسوس في معسكره.[123] أنجبت كليوباترا من أنطوني توأمان بحلول نهاية عام 40 قبل الميلاد: صبي اسمه ألكسندر هيليوس وفتاة اسمها كليوباترا سيليني الثانية، واعترف أنطوني بكلاهما بأنهما أبناؤه.[124] كانت أسماء أبنائهما هيليوس (وتعني الشمس) وسيليني (وتعني القمر) ترمز إلى الوعد بعصر جديد من تجديد المجتمع،[125] وعكست هذه الأسماء رغبة كليوباترا وأملها في أن يكرر أنطوني مآثر الإسكندر الأكبر ويقهر البارثيين.[126]
تعطلت حملة مارك أنطوني البارثية في الشرق بسبب أحداث حرب بيروسين [الإنجليزية] (41-40 قبل الميلاد)، التي بدأتها زوجته الطموحة فولفيا ضد أوكتافيان على أمل جعل زوجها زعيم روما بلا منازع.[127] اقترح البعض أن دافع فولفيا ربما كان إبعاد أنطوني عن كليوباترا، لكن الصراع ظهر في إيطاليا حتى قبل لقاء كليوباترا مع أنطوني في طرسوس.[128] حاصر أوكتافيان فولفيا وشقيق أنطوني لوسيوس أنطونيوس [الإنجليزية] في بيروسيا [الإنجليزية] (بروجة الحديثة، إيطاليا) في نهاية المطاف ونُفيا لاحقًا من إيطاليا، لاحقًا ماتت فولفيا في سيكيون في اليونان أثناء محاولتها الوصول إلى أنطوني.[129] أدى موتها المفاجئ إلى مصالحة بين أوكتافيان وأنطوني في برونديسيوم في إيطاليا في سبتمبر 40 قبل الميلاد.[130] ومع أن الاتفاق في برونديسيوم عزز سيطرة أنطوني على أراضي الجمهورية الرومانية الواقعة شرق البحر الأيوني، إلا أنه نص أيضًا على تنازل أنطوني عن إيطاليا وهسبانيا وبلاد الغال، والزواج من أوكتيفيا الصغرى (شقيقة أوكتافيان) المنافسة المحتملة لكليوباترا.[131]
استقبلت كليوباترا هيرودس في الإسكندرية في ديسمبر 40 قبل الميلاد ضيفًا غير متوقع ولاجئ فر من الوضع المضطرب في يهودا.[132] كان أنطوني قد عين هيرودس في الأصل رئيسًا للربع في المنطقة، لكن سرعان ما وجد هيرودس نفسه في صراع مع أنتيجونوس الحشموني، وهو عضو في سلالة الحشمونائيم العريقة.[132] وكان الأخير قد سجن شقيق هيرودس وزميله فاسيل، الذي أُعدم بينما كان هيرودس هاربًا ويبحث عن ملجأ في بلاط كليوباترا.[132] حاولت كليوباترا تكليف هيرودس بمهمة عسكرية، لكن هيرودس رفض وسافر إلى روما، وهناك عينه الثلاثي أوكتافيان وأنطوني ملكًا على يهودا.[133] وضع هذا الفعل هيرودس على مسار تصادمي مع كليوباترا، التي كانت ترغب في استعادة الأراضي البطلمية السابقة التي شكلت مملكته الهيرودية الجديدة.[134]
من المرجح أن العلاقة بين أنطوني وكليوباترا قد توترت ليس فقط لأنه تزوج أوكتافيا، بل لأنه أنجب منها طفلين أيضًا: أنطونيا الكبرى في عام 39 قبل الميلاد وأنطونيا الصغرى في عام 36 قبل الميلاد، ونقل مقر إقامته إلى أثينا.[135] ومع ذلك، ظل وضع كليوباترا داخل مصر مستقرًا.[126] كان منافسها هيرودس مشغولاً بالحرب الأهلية في يهودا والتي تطلبت مساعدة عسكرية رومانية ثقيلة، لكنه لم يتلق أي مساعدة من كليوباترا.[135] انتهت سلطة أنطوني وأوكتافيان حاكمين ثلاثيين في 1 يناير 37 قبل الميلاد، فرتبت أوكتافيا لاجتماع في تارانتوم، مددت فيه السلطة الثلاثية رسميًا إلى 33 قبل الميلاد.[136]
سافر أنطوني إلى أنطاكية مع فيلقين منحهما أوكتافيان وألف جندي أعارتهم أوكتافيا للبدأ بالاستعدادات للحرب ضد البارثيين.[137] استدعى أنطوني كليوباترا إلى أنطاكية لمناقشة بعض القضايا الملحة، بما في ذلك وضع مملكة هيرودس وتأمين الدعم المالي لحملته البارثية القادمة.[138] وصلت كليوباترا برفقة طفليها التوأم البالغان من العمر آنذاك ثلاث سنوات إلى أنطاكية، ورآهما أنطوني للمرة الأولى، ومن المحتمل أنهما حصلا على لقبيهما (هيليوس) و(سيلين) لأول مرة كجزء من خطط أنطوني وكليوباترا الطموحة للمستقبل.[139] ومن أجل تحقيق الاستقرار في الشرق، لم يوسع أنطوني مملكة كليوباترا فحسب،[140] بل أنشأ أيضًا سلالات حاكمة جديدة وحكامًا تابعين كي يظلوا موالين له حتى بعد وفاته.[141] وفقًا لهذا الترتيب، حصلت كليوباترا على مناطق بطلمية سابقة شاسعة في بلاد الشام، وشمل ذلك تقريبًا كل فينيقيا (لبنان) باستثناء صور وصيدا اللتان ظلتا تحت السيطرة الرومانية.[142] واستحوذت كليوباترا على بطليموس عكا (عكا الحديثة) وهي المدينة التي أنشأها بطليموس الثاني.[143] ونظرًا لعلاقات أسلافها مع السلوقيين، مُنحت كليوباترا منطقة سوريا الجوفاء على طول نهر العاصي العلوي.[144] علاوة على ذلك، حصلت على المنطقة المحيطة بأريحا في فلسطين، لكنها أعادت هذه المنطقة إلى هيرودس.[145] مُنحت كليوباترا أيضًا جزءًا من المملكة النبطية حول خليج العقبة على البحر الأحمر على حساب الملك النبطي ماليخوس الأول (ابن عم هيرودس)، بما في ذلك إيلانا (العقبة، الأردن).[146] وإلى الغرب مُنحت كليوباترا قورينا على طول الساحل الليبي، بالإضافة إلى إيتانوس [الإنجليزية] وأولوس في جزيرة كريت الرومانية.[147] وعلى الرغم من استمرار إدارة المسؤولين الرومان لهذه الأراضي، إلا أنها أغنت مملكة كليوباترا وقادتها إلى تدشين حقبة جديدة وهو ما يتضح من عملاتها المعدنية في عام 36 قبل الميلاد.[148]
وسع أنطوني المملكة البطلمية من خلال التخلي عن الأراضي الرومانية الخاضعة للسيطرة المباشرة، استغل أوكتافيان تصرفات أنطوني كأداة سياسية ضده، واستغل أيضًا المشاعر السائدة في روما آنذاك ضد تمكين ملكة أجنبية على حساب جمهوريتهم.[149] عزز أوكتافيان السرد القائل بأن أنطوني كان يهمل أوكتافيا زوجته الرومانية الفاضلة، فمنحها هي وزوجته ليفيا دروسيلا امتيازات استثنائية.[149] أصبحت كورنيليا أفريكانا [الإنجليزية] (إبنة شيبيون الإفريقي) قبل زهاء 50 عامًا أول إمرأة رومانية على قيد الحياة يقام لها تمثال مخصص لها،[150] وتبعتها أوكتافيا وليفيا اللتان نصبت تماثيلهما على الأرجح في منتدى قيصر لمنافسة تمثال كليوباترا الذي نصبه قيصر بنفسه.[150] رافقت كليوباترا أنطوني في حملته نحو غزو الإمبراطورية البارثية في عام 36 قبل الميلاد، وسافرت معه إلى نهر الفرات.[151] ثم عادت إلى مصر، ربما بسبب مرحلة حملها المتقدمة.[152] وبحلول صيف عام 36 قبل الميلاد، أنجبت بطليموس فيلادلفوس (ابنها الثالث من أنطوني).[153]
انتهت حملة أنطوني البارثية في عام 36 قبل الميلاد بكارثة محققة، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى عدة عوامل، أبرزها خيانة أرتافاسديس الثاني ملك أرمينيا، الذي أنشق وحول ولاءه إلى البارثيين.[154] أسفرت الحملة عن مقتل قرابة 30,000 رجل، متجاوزة الخسائر التي تكبدها كراسوس في معركة كارهاي، وهي النتيجة التي كان أنطوني يأمل في الانتقام منها. ، وصل أنطوني أخيرًا إلى ليوكوكوم بالقرب من بيريتوس (بيروت، لبنان) في ديسمبر، وكان قد أفرط في شرب الخمر قبل وصول كليوباترا التي عادت محملة بالأموال والملابس لقواته المنهكة التي كانت في أمس الحاجة إليها.[155] أراد أنطوني تجنب المخاطر التي تنطوي عليها العودة إلى روما، لذا اختار السفر مع كليوباترا عائداً إلى الإسكندرية لرؤية ابنه حديث الولادة.[156]
بينما كان أنطوني يستعد لرحلة استكشافية بارثية أخرى في عام 35 قبل الميلاد موجهة هذه المرة نحو حليفتهم أرمينيا، سافرت أوكتافيا إلى أثينا برفقة 2000 جندي ظاهريًا لإظهار الدعم لأنطوني، ولكن هذه الخطوة على الأرجح كانت جزءًا من مخطط ابتكره أوكتافيان لإحراج أنطوني بسبب خسائره العسكرية.[157] استقبل أنطوني هذه القوات لكنه طلب من أوكتافيا ألا تبتعد شرق أثينا بينما سافر هو وكليوباترا معًا إلى أنطاكية، ومع ذلك، فقد تخلى عن الحملة العسكرية تخليًا مفاجئًا وغير مفهوم وعاد إلى الإسكندرية.[157] عندما عادت أوكتافيا إلى روما، صور أوكتافيان أخته كضحية ظلمها أنطوني، على الرغم من أنها رفضت مغادرة منزله.[158] ازدات ثقة أوكتافيان بنفسه عندما قضى على منافسيه في المناطق الغربية، بما في ذلك سكستوس بومبيوس وحتى ليبيدوس (العضو الثالث في الحكم الثلاثي) والذي وُضع تحت الإقامة الجبرية بعد الثورة ضد أوكتافيان في صقلية.[159]
أرسل أنطوني مبعوثه كوينتوس ديليوس [الإنجليزية] إلى أرتافاسديس الثاني عام 34 قبل الميلاد للتفاوض على تحالف وزواج محتمل من شأنه أن يزوج إبنة الملك الأرمني إلى ألكسندر هيليوس (ابن أنطوني وكليوباترا).[160] وعندما رفض أرتافاسديس الثاني هذا الاقتراح، سار أنطوني بجيشه إلى أرمينيا، وهزم قوات الملك الأرميني وأسره والعائلة المالكة الأرمنية.[161] أقام أنطوني عرضًا عسكريًا في الإسكندرية تقليدًا لعرض للانتصار الروماني مرتديًا زي ديونيسوس ودخل المدينة على عربة لتقديم السجناء الملكيين إلى كليوباترا التي كانت تجلس على عرش ذهبي فوق منصة فضية.[162] قوبل هذا العرض بانتقادات شديدة في روما باعتباره تحريفًا للعادات والطقوس الرومانية القديمة التي لا ينبغي أن تستمتع بها ملكة مصرية، إذ كانت هذه الاحتفالات تخص القادة الرومان وحدهم.[163]
في حدث أقيم في صالة الألعاب الرياضية بعد فترة وجيزة من عرض الانتصار، ارتدت كليوباترا زي إيزيس وأعلنت نفسها ملكة الملوك وأن إبنها قيصريون هو ملك الملوك، في حين أُعلِن إبنها الآخر ألكسندر هيليوس ملكًا على أرمينيا وميدي وبارثيا، بالإضافة إلى ذلك، سُمِّي بطليموس فيلادلفوس البالغ من العمر عامين ملكًا على سوريا وقيليقية.[164] مُنحت كليوباترا سيليني الثانية جزيرة كريت وقورينا.[165] من الممكن أن يكون زواج أنطوني وكليوباترا قد حدث خلال هذا الحفل.[166] لاحقًا أرسل أنطوني تقريرًا إلى روما يطلب فيه التصديق على هذه المطالبات الإقليمية التي أصبحت تُعرف فيما بعد باسم "تبرعات الإسكندرية". سعى أوكتافيان إلى نشر هذا الحدث لأغراض دعائية، ولكن اثنين من القناصل من أنصار أنطوني حجباه عن الرأي العام.[167]
انخرط أنطوني وأوكتافيان في حرب دعائية ساخنة استمرت لسنوات في أواخر عام 34 قبل الميلاد.[168] ادعى أنطوني أن أوكتافيان قد عزل ليبيدوس عزلًا غير قانوني من حكومتهم الثلاثية ومنعه من تجنيد القوات في إيطاليا، بينما اتهم أوكتافيان أنطوني باحتجاز ملك أرمينيا احتجازًا غير قانوني، والزواج من كليوباترا على الرغم من أنه لا يزال متزوجًا من أخته أوكتافيا، والادعاء ظلماً بأن قيصريون هو وريث قيصر بدلاً من أوكتافيان.[169] شكلت سلسلة الاتهامات والشائعات المرتبطة بهذه الحرب الدعائية التصورات الشعبية حول كليوباترا بدءًا من فترة الأدب الأوغستاني وحتى وسائل الإعلام المختلفة في العصر الحديث.[170] قيل أن كليوباترا غسلت دماغ مارك أنطوني من خلال استخدام السحر والشعوذة وكانت شخصية شريرة مثل شخصية هيلين الطروادية التي ذكرت في إحدى روايات هوميروس ودمرت حضارة بأكملها.[171] ادعى بليني الأكبر في كتابه (التاريخ الطبيعي) أن كليوباترا قامت ذات مرة بإذابة لؤلؤة تبلغ قيمتها عشرات الملايين من السسترس (عملة فضية) في الخل كي تفوز برهان في حفل العشاء.[وب 2][172] بالإضافة إلى ذلك، فإن الادعاء بأن أنطوني قد سرق كتبًا من مكتبة بيرغاموم لتجديد مكتبة الإسكندرية كُشف عنه لاحقًا على أنه تلفيق اعترف به جايوس كالفيسيوس سابينوس [الإنجليزية].[173]
عُثِر على توقيع كليوباترا على وثيقة من ورق البردي يرجع تاريخها إلى 33 فبراير قبل الميلاد واستخدمت فيما بعد لتغليف مومياء، من المرجح أن هذه الوثيقة كتبها مسؤول مفوض بالتوقيع لها.[174] تتعلق الوثيقة بإعفاءات ضريبية في مصر ممنوحة إما لكوينتوس كايسيليوس أو بوبليوس كانيديوس كراسوس [الإنجليزية]، وهو قنصل روماني سابق وأحد المقربين من أنطوني وقائد قواته البرية في معركة أكتيوم،[175] كُتب أسفل البردية بخط يد مختلف عبارة "اجعل الأمر يحدث،[175] أو فليكن،[176] ومن المحتمل أنه توقيع كليوباترا، إذ كان من المعتاد عند البطالمة التوقيع على المستندات لتجنب تزويرها.[175]
اتهم أوكتافيان أنطوني بمحاولة تقويض الحريات الرومانية والسلامة الإقليمية باعتباره عبدًا لملكته الشرقية (يقصد كليوباترا) في خطاب ألقاه أمام مجلس الشيوخ الروماني في اليوم الأول من توليه منصب القنصل في 1 يناير 33 قبل الميلاد.[177] أعلن أنطوني أن قيصريون هو الوريث الحقيقي لقيصر في محاولة لإضعاف أوكتافيان قبل انتهاء إمبراطورية أنطوني وأوكتافيان المشتركة في 31 ديسمبر 33 قبل الميلاد.[177] تولى كل من جايوس سوسيوس [الإنجليزية] وجنايوس دوميتيوس أهينوباربوس [الإنجليزية] المواليان لأنطوني منصب القنصل في عام 32 قبل الميلاد. ألقى الأول خطابًا شديد اللهجة أدان فيه أوكتافيان، الذي أصبح بحلول ذلك الوقت مواطنًا عاديًا دون شغل أي منصب عام وقدم تشريعات ضده.[178] خلال جلسة مجلس الشيوخ التالية، دخل أوكتافيان إلى مجلس الشيوخ برفقة حراس مسلحين ووجه اتهاماته الخاصة ضد القناصل.[179] وخوفًا من هذا الفعل، فر القناصل وأكثر من 200 من أعضاء مجلس الشيوخ الذين يدعمون أنطوني من روما في اليوم التالي للوقوف إلى جانب أنطوني.[180]
سافر أنطوني وكليوباترا معًا إلى أفسس عام 32 قبل الميلاد، وزودته كليوباترا بـ 200 من أصل 800 سفينة بحرية تمكن أنطوني من الحصول عليها.[181] سعى أهينوباربوس جاهدًا الذي كان يشعر بالقلق من هذا التحول الخطير في الأحداث لإقناع أنطوني باستبعاد كليوباترا من الحملة العسكرية ضد أوكتافيان.[182] من ناحية أخرى قدم بوبليوس كانيديوس كراسوس [الإنجليزية] حجة مضادة مفادها أن كليوباترا كانت تمول المجهود الحربي وكانت ملكة على قدر كبير من الكفاءة.[182] وعلى الرغم من طلبات أنطوني لكليوباترا بالعودة إلى مصر إلا أنها رفضت بشدة، معتبرة أن مشاركتها في هذه الحرب ضرورية لعرقلة تقدم أوكتافيان في اليونان مما يمكنها من الدفاع عن مصر بسهولة أكبر.[182] أدى إصرار كليوباترا على المشاركة في معركة اليونان إلى انشقاق شخصيات رومانية بارزة مثل جنايوس دوميتيوس أهينوباربوس [الإنجليزية] و لوسيوس موناتيوس بلانكوس [الإنجليزية].[183]
سافر أنطوني وكليوباترا إلى أثينا خلال ربيع عام 32 قبل الميلاد، وأقنعت كليوباترا أنطوني بإرسال إعلان رسمي للطلاق إلى أوكتافيا.[184] نتيجة لذلك قدم بلانكوس نصيحة لأوكتافيان بضرورة الاستيلاء على وصية أنطوني المحفوظة عند عذارى فستال.[185] وعلى الرغم من أن هذا العمل يعتبر انتهاكًا للحقوق المقدسة والقانونية، إلا أن أوكتافيان حصل على الوصية بالقوة من معبد فيستا، واستخدمها كأداة مفيدة في الحرب الدعائية ضد أنطوني وكليوباترا.[186] سلط أوكتافيان الضوء على أجزاء من الوصية، مثل تعيين قيصريون وريثًا لقيصر، وأن تبرعات الإسكندرية كانت قانونية، وأن أنطوني يجب أن يُدفن جنبًا إلى جنب مع كليوباترا في مصر بدلاً من روما، وأن الإسكندرية ستصبح العاصمة الجديدة للجمهورية الرومانية.[187] ومن أجل إظهار الولاء لروما، قرر أوكتافيان البدء في بناء ضريحه الخاص في حرم مارتيوس الجامعي [الإنجليزية].[188] تحسن الوضع القانوني لأوكتافيان بعد انتخابه قنصلًا في عام 31 قبل الميلاد.[188] ومع الكشف العلني عن وصية أنطوني، أصبح لدى أوكتافيان مبرر لشن حرب، فأعلنت روما الحرب على كليوباترا وليس أنطوني.[189] كانت الحجة القانونية للحرب تعتمد بدرجة أقل على استحواذات كليوباترا على الأراضي، والتي شملت الأراضي الرومانية السابقة التي يحكمها أطفالها من أنطوني، وبدرجة أكبر على حقيقة أنها كانت تقدم الدعم العسكري لأنطوني (الذي أصبح مواطن عادي بعد انتهاء سلطته الثلاثية).[190]
كان لدى أنطوني وكليوباترا أسطول أكبر من أسطول أوكتافيان، لكن أطقم البحرية التابعة لأنطوني وكليوباترا لم تكن كلها مدربة تدريبًا جيدًا، وربما كان بعضها من السفن التجارية، في حين كان لدى أوكتافيان قوة بحرية محترفة بالكامل.[191] أراد أنطوني عبور البحر الأدرياتيكي وحصار أوكتافيان إما في طارنت أو ابرندس،[192] لكن كليوباترا التي كانت مهتمة في المقام الأول بالدفاع عن مصر ألغت قرار مهاجمة إيطاليا مباشرة.[193] أنشأ أنطوني وكليوباترا مقرهما الشتوي في باتراس في اليونان، وبحلول ربيع عام 31 قبل الميلاد كانا قد انتقلا إلى أكتيوم الواقعة على الجانب الجنوبي من خليج أمبراسيان [الإنجليزية].[194]
حصلت كليوباترا وأنطوني على دعم العديد من الملوك المتحالفين بما فيهم هيرودس (الذي كانت كليوباترا في نزاع معه)، وبسبب وقوع زلزال في يهودا فقد تغيب هيرودس عن الحملة.[195] فقدت كليوباترا وأنطوني أيضًا دعم ماليخوس الأول، الأمر الذي كان له عواقب استراتيجية.[196] تعرض أنطوني وكليوباترا لعدة هزائم في مناوشات ضد أوكتافيان بالقرب من أكتيوم خلال صيف عام 31 قبل الميلاد، واستمرت انشقاقات النخب السياسية والعسكرية إلى معسكر أوكتافيان، بما في ذلك رفيق أنطوني منذ فترة طويلة كوينتوس ديليوس [الإنجليزية] والملوك المتحالفين أمينتاس ملك غلاطية [الإنجليزية] وديوتاروس ملك بافلاغونيا.[196] اقترح البعض في معسكر أنطوني التراجع إلى الداخل والتخلي عن الصراع البحري، بينما دعت كليوباترا إلى مواجهة بحرية لإبقاء أسطول أوكتافيان بعيدًا عن مصر.[197]
في 2 سبتمبر 31 قبل الميلاد، التقت القوات البحرية لأوكتافيان بقيادة ماركوس فيبسانيوس أغريبا بقوات أنطوني وكليوباترا في معركة أكتيوم.[198] أشرفت كليوباترا من على متن سفينتها الرئيسية أنطونيا على أسطول مكون من 60 سفينة متمركزة عند مدخل خليج أمبراسيان، وكانت سفنها متمركزة في الجزء الخلفي من الأسطول. من المحتمل أن يكون هذا الترتيب قد نسَّقه ضباط أنطوني لتقليل نفوذها أثناء المعركة.[197] أصدر أنطوني أوامره برفع أشرعة السفن بهدف الحصول على فرصة أفضل لملاحقة العدو أو الهروب منه، أعجبت كليوباترا التي كانت مهتمة دائمًا بالدفاع عن مصر بهذه الفكرة، واستفادت منها للتحرك بسرعة عبر منطقة القتال الرئيسية ونفذت انسحابًا استراتيجيا إلى شبه جزيرة البيلوبونيز.[199]
ذكر المؤرخ ستانلي بورستين [الإنجليزية] أن الكتاب الرومان المتحيزون اتهموا كليوباترا لاحقًا بالجبن لأنها تركت أنطوني، ومع ذلك، اقترح الكتاب أن الهدف الأساسي من إبقاء الأشرعة على متن السفينة ربما لكسر الحصار وإنقاذ أكبر عدد ممكن من سفن الأسطول.[200] تبع أنطوني كليوباترا واستقل سفينتها التي تعرف عليها من خلال أشرعتها الأرجوانية المميزة، ثم هرب الاثنان من المعركة واتجها إلى تاينارون [الإنجليزية].[201] وبحسب ما ورد تجنب أنطوني الحديث مع كليوباترا خلال هذه الرحلة التي استغرقت ثلاثة أيام، حتى حثته سيداتها المنتظرات في تاينارون على التحدث معها.[202] استمرت معركة أكتيوم بدون كليوباترا وأنطوني حتى صباح يوم 3 سبتمبر، وأعقبتها انشقاقات هائلة من الضباط والقوات والملوك المتحالفين الذين انضموا إلى أوكتافيان.[203]
في الوقت الذي احتل فيه أوكتافيان مدينة أثينا، وصل مارك أنطوني وكليوباترا إلى مدينة بارايتونيون في مصر،[204] وهناك افترق الزوجان، إذ توجه أنطوني إلى قورينا لجمع المزيد من القوات، بينما ذهبت كليوباترا إلى ميناء الإسكندرية في محاولة لتضليل الفصيل المعارض وتصوير الأنشطة في اليونان على أنها انتصار،[202] وكانت تخشى أن تؤدي الأخبار عن نتيجة معركة أكتيوم إلى التمرد.[205] من غير المؤكد ما إذا كانت كليوباترا قد أمرت آنذاك بإعدام أرتافاسديس الثاني وأرسلت رأسه المقطوع إلى منافسه أرتافاسديس الأول [الإنجليزية] في محاولة لعقد تحالف معه.[206]
وصلت الأنباء إلى لوسيوس بيناريوس [الإنجليزية] حاكم قورينا المعين من مارك أنطوني تفيد بأن أوكتافيان قد انتصر في معركة أكتيوم حتى قبل أن يتمكن رسل أنطوني من الوصول إليه.[207] أمر بيناريوس بإعدام هؤلاء الرسل ثم انشق ووقف إلى جانب أوكتافيان وسلم له الفيالق الأربعة التي تحت قيادته والتي كان أنطوني يرغب في السيطرة عليها.[207] وعندما علم أنطوني بهذه الخيانة قرر أن ينتحر، لكن بعض ضباط الأركان المخلصين له تدخلوا ومنعوه وحالوا دون انتحاره.[207] في الإسكندرية بنى أنطوني كوخًا منعزلاً في جزيرة فاروس أطلق عليه اسم تيمونيون، نسبة إلى الفيلسوف تيمون الأثيني الذي اشتهر بسخريته وكرهه للبشر.[207] في تلك الأثناء، سافر هيرودس الأول (الذي سبق أن نصح أنطوني بخيانة كليوباترا بعد معركة أكتيوم) إلى جزيرة رودس للقاء أوكتافيان وأعلن عن رغبته في التنازل عن الحكم بسبب ولاءه لأنطوني،[208] أعجب أوكتافيان بخطابه وإحساسه بالولاء، فسمح له بالحفاظ على منصبه في يهودا، مما زاد من عزلة أنطوني وكليوباترا.[208]
يعتقد أن كليوباترا وبحلول أواخر صيف عام 31 قبل الميلاد قد بدأت تنظر إلى أنطوني باعتباره عائقًا، لذا استعدت لمغادرة مصر، خططت كليوباترا للتنازل عن حكم مصر لابنها قيصريون،[209] ونقل أسطولها من البحر الأبيض المتوسط إلى البحر الأحمر، ثم الإبحار إلى ميناء أجنبي ربما إلى الهند، حيث يمكنها قضاء بعض الوقت في التعافي.[210] ومع ذلك، تخلت كليوباترا عن هذه الخطط في نهاية المطاف عندما تمكن ماليخوس الأول (بناءً على نصيحة كوينتوس ديديوس [الإنجليزية] الحاكم الذي عينه أوكتافيان على سوريا) من حرق أسطول كليوباترا انتقامًا لخسائره في الحرب مع هيرودس وهي الحرب التي حرضت عليها كليوباترا إلى حد كبير.[210] لم يكن أمام كليوباترا آنذلك خيار آخر سوى البقاء في مصر والتفاوض مع أوكتافيان.[209] وبدأت كليوباترا في هذا الوقت في اختبار قوة السموم المختلفة على السجناء وحتى على خدمها.[211]
جندت كليوباترا قيصريون ليلتحق بصفوف الإفيبيين، وأظهرت النقوش البارزة التي عُثر عليها على شاهد في كوبتوس والتي يعود تاريخها إلى 21 سبتمبر 31 قبل الميلاد أن كليوباترا كانت آنذلك تخطط ليصبح ابنها هو الحاكم الوحيد لمصر.[212] وفي نفس الوقت استدعى أنطوني ولإظهار تضامنه ابنه ماركوس أنطونيوس أنتيلوس للانضمام إلى صفوف الإفيبيين.[209] أرسل أنطوني وكليوباترا العديدَ من الرسائل والمبعوثين إلى أوكتافيان الذي كان لا يزال متمركزًا في رودس، ومع ذلك، يبدو أن أوكتافيان كان يجيب على رسائل كليوباترا فقط.[211] طلبت كليوباترا أن يرث أطفالها مصر وأن يسمح لأنطوني بالعيش في المنفى في مصر، وعرضت على أوكتافيان المال في المستقبل، وأرسلت له على الفور هدايا سخية.[213] أرسل أوكتافيان مبعوثه ثيرسوس إلى كليوباترا بعد أن هددت بحرق نفسها وحرق كميات هائلة من كنوزها وثروتها داخل مقبرة قيد الإنشاء.[214] نصحها ثيرسوس بقتل أنطوني حتى تنجو بحياتها، ولكن عندما شك أنطوني في وجود نوايا شريرة، أمر بجلد المبعوث وإعادته إلى أوكتافيان دون صفقة.[215]
بعد مفاوضات مطولة لم تسفر في النهاية عن أي نتائج، انطلق أوكتافيان لغزو مصر في ربيع عام 30 قبل الميلاد،[216] وتوقف عند مدينة سانت جون داكر، وزود حليفه الجديد هيرودس جيشه بإمدادات جديدة.[217] تحرك أوكتافيان جنوبًا واستولى بسرعة على بيلوسيون، بينما كان كورنيليوس جالوس [الإنجليزية] يتقدم شرقًا من قورينا وهزم قوات أنطوني بالقرب من بارايتونيون.[218] تقدم أوكتافيان بسرعة إلى الإسكندرية، لكن أنطوني عاد وحقق انتصارًا صغيرًا على قوات أوكتافيان المتعبة بالقرب من ميدان سباق الخيل بالمدينة.[218] ومع ذلك استسلم أسطول أنطوني البحري لأوكتافيان في 1 أغسطس 30 قبل الميلاد، وتلاه سلاح الفرسان التابع لأنطوني.[219]
اختبأت كليوباترا في مقبرتها مع مرافقيها المقربين ومن هناك أرسلت رسالة إلى أنطوني مفادها أنها انتحرت.[220] شعر أنطوني باليأس ورد على الرسالة بطعن نفسه في بطنه وانتحر عن عمر يناهز 53 عامًا.[221] وفقًا للمؤرخ بلوطرخس، كان أنطوني لا يزال يحتضر عندما أُحضر إلى كليوباترا عند مقبرتها، وأخبرها وقبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة أنه مات بشرف وأنها يمكن أن تثق في جايوس بروكليوس [الإنجليزية] (رفيق أوكتافيان) أكثر من أي شخص آخر في حاشيته.[222] كان بروكليوس هو من تسلل إلى مقبرة كليوباترا باستخدام سلم واحتجزها، ومنعها من حرق نفسها مع كنوزها.[223] سُمح لكليوباترا بتحنيط ودفن أنطوني داخل مقبرتها قبل اصطحابها إلى القصر.[224]
دخل أوكتافيان الإسكندرية واحتل القصر، وألقى القبض على أصغر أطفال كليوباترا الثلاثة.[225] وفقًا للمؤرخ تيتوس ليفيوس عندما التقت كليوباترا بأوكتافيان قالت له بصراحة: "لن أشارك في عرض الانتصار" (باليونانية القديمة: οὑ θριαμβεύσομαι، بالحروف اللاتينية: ou thriambéusomai) وهي عبارة تدل على التحدي والرفض، (ملاحظة: جرت العادة في روما القديمة عن إقامة موكب احتفالي كبير للاحتفال بالنصر العسكري، وعادة ما يتضمن عرض الجنرال أو القائد المنتصر في شوارع المدينة مع الأعداء الأسرى وغنائم الحرب ورموز النصر الأخرى). كان هذا التصريح من كليوباترا يعكس إصرارها على عدم الخضوع للإهانة أو للظهور كعدو مهزوم في روما، خاصة في ظل مكانتها الملكية باعتبارها آخر حكام مصر. لقد كانت عبارتها تأكيدًا على كرامتها ورفضًا لأن تكون مشهدًا لانتصار عدوها.[226]
وعد أوكتافيان بأنه سيبقي كليوباترا على قيد الحياة لكنه لم يقدم أي تفسير حول خططه المستقبلية لمملكتها.[227] وعندما أبلغها أحد الجواسيس بأن أوكتافيان يخطط لنقلها وأطفالها إلى روما في غضون ثلاثة أيام، استعدت كليوباترا للانتحار لأنها لم تكن تنوي الظهور في موكب الانتصار الروماني مثلما ظهرت سابقا أختها أرسينوي الرابعة.[228] من غير الواضح ما إذا كان انتحار كليوباترا في 10 أغسطس 30 قبل الميلاد عن عمر يناهز 39 عامًا قد حدث داخل القصر أو في مقبرتها،[229] ويقال إنها كانت برفقة خادميها إيراس وتشارميون اللذان انتحرا أيضًا.[230]
قيل إن أوكتافيان كان غاضبًا من هذه النتيجة، ومع ذلك فقد قرر دفن كليوباترا بمراسم ملكية في مقبرتها بجوار أنطوني.[231] لم يشرح أوليمبوس (طبيب كليوباترا) سبب وفاتها، ومع ذلك فإن الاعتقاد السائد هو أنها سمحت عمدًا لأفعى أو للكوبرا المصرية بأن تعضها وتسممها.[232] هذه الرواية ذكرها المؤرخ بلوطرخس، والذي اقترح أيضا أن كليوباترا استخدمت أداة تُعرف باسم "knêstis" (تترجم حرفيًا إلى "العمود الفقري" أو "مبشرة الجبن") لحقن السم عن طريق الخدوش، في حين ذكر المؤرخ كاسيوس ديو أن كليوباترا حقنت نفسها بالسم باستخدام إبرة، بينما جادل المؤرخ سترابو بأنها استخدمت مرهم من نوع ما يحتوي على مواد سامة.[233] وعلى الرغم من عدم اكتشاف أي ثعبان سام بجانب رفاتها، إلا أنها كانت تحمل جروحًا صغيرة في ذراعها يمكن أن تكون ناجمة عن إبرة.[234]
قررت كليوباترا في لحظاتها الأخيرة إرسال قيصريون بعيدًا إلى صعيد مصر، ربما كان لديها خطط للفرار إلى النوبة الكوشية أو إثيوبيا أو الهند.[235] وعندما اعتلى قيصريون العرش (باسم بطليموس الخامس عشر) لم يدم حكمه سوى 18 يوما فقط، إذ أُعدم في 29 أغسطس سنة 30 قبل الميلاد بعد عودته إلى الإسكندرية بناءً على أوامر أوكتافيان بحجة كاذبة أن أوكتافيان سيسمح له بأن يصبح ملكًا.[236] تأثر أوكتافيان بنصيحة الفيلسوف أريوس ديديموس [الإنجليزية] بأن في العالم مكانًا لقيصر واحد فقط.[237] ومع سقوط المملكة البطلمية، أُنشِئَت مقاطعة مصر الرومانية [238] إيذانا بانتهاء العصر الهلنستي.[239] غير أوكتافيان اسمه من أوكتافيان إلى أغسطس قيصر (والتي تعني الموقر) في يناير من عام 27 قبل الميلاد وجمع السلطات الدستورية التي جعلته أول إمبراطور روماني، وافتتح عصر الزعامة للإمبراطورية الرومانية.[240]
وفقًا لتقاليد الحكام المقدونيين، حكمت كليوباترا مصر ومناطق أخرى مثل قبرص كملك مطلق، وكانت بمثابة المشرع الوحيد ورأس السلطة الدينية الرئيسية في مملكتها.[241] ترأست الاحتفالات الدينية المخصصة لآلهة الديانتين المصرية واليونانية المشركتين.[242] أشرفت على بناء العديد من المعابد للآلهة المصرية واليونانية،[243] وعلى بناء معبد لليهود في مصر، وبنت معبد القيصريون، وهو نصب تذكاري مخصص لعبادة راعيها وعشيقها قيصر.[244]
انخرطت كليوباترا في الشؤون الإدارية لمملكتها انخراطًا مباشرًا،[245] وعملت على معالجة الأزمات مثل المجاعة من خلال إصدار أوامر لمخازن الحبوب الملكية بتوزيع الطعام على السكان الجائعين أثناء الجفاف الذي حدث في بداية عهدها.[246] وعلى الرغم من أن الاقتصاد الموجه الذي أدارته كان مثاليًا أكثر منه واقعًا،[247] فقد حاولت الحكومة فرض ضوابط على الأسعار والتعريفات الجمركية، واحتكارات الدولة لبعض السلع، وأسعار صرف ثابتة للعملات الأجنبية، وإصدار قوانين صارمة تجبر المزارعين والفلاحين على البقاء في قراهم أثناء مواسم الزراعة والحصاد.[248] وبسبب المشكلات المالية الواضحة لجأت كليوباترا إلى تخفيض قيمة عملتها، التي شملت العملات الفضية والبرونزية ولكنها لم تشمل العملات الذهبية مثل تلك التي سكها بعض أسلافها البطالمة.[249]
أُرسل أطفال كليوباترا الثلاثة الباقين على قيد الحياة (كليوباترا سيليني الثانية، والإسكندر هيليوس، وبطليموس فيلادلفوس) بعد انتحارها إلى روما وتولت أوكتافيا الصغرى (شقيقة أوكتافيان) والزوجة السابقة لأبيهم دور الوصي عليهم.[250] كان كل من كليوباترا سيليني الثانية والإسكندر هيليوس حاضرين في عرض الانتصار الروماني لأوكتافيان عام 29 قبل الميلاد،[251] أما مصير الإسكندر هيليوس وبطليموس فيلادلفوس فظل مجهولاً بعد هذا الحدث.[251] رتبت أوكتافيا خطوبة كليوباترا سيليني الثانية على يوبا الثاني (ابن يوبا الأول)، الذي تحولت مملكته نوميديا في شمال إفريقيا إلى مقاطعة رومانية عام 46 قبل الميلاد على يد قيصر بسبب دعم يوبا الأول لبومبي.[252]
ثبت الإمبراطور أغسطس قيصر جوبا الثاني وكليوباترا سيليني الثانية بعد زواجهما عام 25 قبل الميلاد حكامًا جدد لموريطنية، فحولوا مدينة إيول القرطاجية القديمة إلى عاصمتهم الجديدة، وأعادوا تسميتها إلى قيصرية موريطنية (شرشال، الجزائر).[253] جلبت كليوباترا سيليني الثانية العديد من العلماء والفنانين والمستشارين المهمين من بلاط والدتها الملكي في الإسكندرية لخدمتها في قيصرية، وسرعان ما أصبحت هذه المدينة متغلغلة في الثقافة اليونانية الهلنستية.[254] وسمَّت ابنها (بطليموس الموريطني) تكريمًا لتراثهم الأسري البطلمي.[255]
توفيت كليوباترا سيليني الثانية قرابة العام 5 قبل الميلاد، وعندما توفي يوبا الثاني عام 23/24 م، خلفه ابنه بطليموس الموريطني.[256] ومع ذلك، أعدم بطليموس الموريطني في نهاية المطاف على يد الإمبراطور الروماني كاليغولا في عام 40 بعد الميلاد، ربما بحجة أن بطليموس الموريطني سكَّ عملاته الملكية سكًّا غير قانوني واستخدم الشعارات المخصصة للإمبراطور الروماني.[257] كان بطليموس الموريطني آخر الملوك المعروفين من سلالة البطالمة. ومن الجدير بالذكر أن الملكة زنوبيا التي حكمت مملكة تدمر قصيرة العمر خلال القرن الثالث ادعت لاحقًا أنها تنحدر من نسل كليوباترا.[258] من اللافت للنظر أن العبادة المخصصة لكليوباترا استمرت حتى عام 373 م، إذ ذكر بيتسينوفي وهو كاتب مصري لكتاب إيزيس أن «شخصية كليوباترا كانت مغطاة بالذهب»، وهو ما يعني أن كليوباترا ظلت تحتل مكانة مهمة في الممارسات الدينية أو الثقافية لبعض الأفراد أو الجماعات بعد وقت طويل من عصرها.[259]
على الرغم من أن ما يقرب من 50 عملًا قديمًا في التأريخ الروماني تذكر كليوباترا، إلا أن هذه الأعمال غالبًا ما تضمنت روايات مختصرة عن بعض الأحداث في حياتها كمعركة أكتيوم، وانتحارها، والدعاية التي أطلقها أغسطس قيصر حول عيوبها الشخصية.[260] يوفر كتاب (حياة أنطونيوس) الذي كتبه بلوطرخس في القرن الأول الميلادي أكثر الروايات الباقية شمولاً عن حياة كليوباترا (بالرغم من أنه لا يعتبر كتاب سيرة ذاتية لكليوباترا).[261] عاش بلوطرخس بعد قرن من كليوباترا لكنه اعتمد على مصادر أولية في كتاباته مثل فيلوتاس الأمفيسي [الإنجليزية]، الذي كان لديه إمكانية الوصول إلى القصر الملكي البطلمي، وطبيب كليوباترا الشخصي المسمى أوليمبوس، بالإضافة إلى كوينتوس ديليوس [الإنجليزية] وهو أحد المقربين من مارك أنطوني وكليوباترا.[262] تضمن عمل بلوطرخس كلا من وجهة نظر أغسطس قيصر لكليوباترا - والتي أصبحت وجهة النظر المقبولة في عصره - بالإضافة إلى مصادر أخرى بما في ذلك شهادات شهود العيان.[263]
يقدم المؤرخ اليهودي الروماني يوسيفوس فلافيوس الذي كتب في القرن الأول الميلادي معلومات قيمة عن حياة كليوباترا من خلال علاقتها الدبلوماسية مع هيرودس الكبير.[264] ومع ذلك، يعتمد هذا العمل إلى حد كبير على مذكرات هيرودس والرواية المتحيزة لنقولا الدمشقي (معلم أطفال كليوباترا في الإسكندرية) قبل أن ينتقل إلى يهودا للعمل مستشارًا ومؤرخ في بلاط هيرودس.[264] يقدم التاريخ الروماني الذي نشره المسؤول والمؤرخ كاسيوس ديو في أوائل القرن الثالث الميلادي تاريخًا مستمرًا لعصر حكم كليوباترا على الرغم من فشله في الفهم الكامل لتعقيدات العصر الهلنستي المتأخر.[265]
نادرًا ما تُذكر كليوباترا في كتاب دي بيلو ألكساندرينو [الإنجليزية]، وهي مذكرات ضابط أركان مجهول خدم في عهد قيصر.[266] تقدم كتابات شيشرون [الإنجليزية] الذي عرفها شخصيًا صورة غير محببة لكليوباترا.[267] خلد مؤلفو الفترة الأوغسطية بما في ذلك فيرجيل، وهوراس، وبروبرتيوس، وأوفيد، وجهات النظر السلبية عن كليوباترا التي وافق عليها النظام الروماني الحاكم،[268] على الرغم من أن فيرجيل أسس فكرة كليوباترا كشخصية رومانسية وميلودراما ملحمية.[269] واعتبر هوراس قرار كليوباترا بإنهاء حياتها قرارًا شجاعًا،[270] وهي فكرة لاقت قبولًا في أواخر العصور الوسطى من خلال أعمال جيفري تشوسر.[271]
قدم المؤرخون مثل سترابو، وفيليوس، و فاليريوس مكسيموس [الإنجليزية]، وبليني الأكبر، وأبيان (على الرغم من أنهم لم يقدموا روايات كاملة مثل بلوطرخس، يوسيفوس فلافيوس، أو كاسيوس ديو) بعض التفاصيل عن حياة كليوباترا التي لم يُحفاظ عليها في السجلات التاريخية الأخرى.[267] تظهر بعض النقوش على العملات المعدنية من العصر البطلمي وبعض وثائق البردي المصرية لمحة عن وجهة نظر كليوباترا على الرغم من أن هذه المادة محدودة للغاية بالمقارنة مع الأعمال الأدبية الرومانية.[272] تقدم رواية (ليبيكا) غير المكتملة التي أمر بكتابتها جوبا الثاني صهر كليوباترا، مصدرًا محتملاً للمواد التاريخية التي ربما كانت تدعم وجهة نظر كليوباترا.[273]
من المحتمل أن جنس كليوباترا قد ساهم في تصويرها كشخصية ثانوية ليست ذات أهمية في التأريخ القديم والعصور الوسطى وحتى الحديثة حول مصر القديمة والعالم اليوناني الروماني.[274] على سبيل المثال، اقترح المؤرخ رونالد سيم أن كليوباترا لم تكن ذات أهمية كبيرة بالنسبة لقيصر وأن دعاية أوكتافيان ضخمت أهميتها إلى درجة مفرطة.[274] على الرغم من أن النظرة الشائعة لكليوباترا بأنها كانت فاتنة متعددة العلاقات الجنسية، إلا أنه لم يكن لديها سوى شريكين معروفين وهما قيصر وأنطوني، وهما أبرز شخصيتين من الرومان في تلك الفترة الزمنية، واللذان كان لهما دور حاسم في ضمان بقاء سلالتها.[275] وصف بلوطرخس كليوباترا بأنها تتمتع بشخصية قوية وذكاء ساحر ولم تكن تعتمد فقط على جمالها الجسدي.[276]
صورت كليوباترا في العديد من الأعمال الفنية القديمة على الطراز المصري وكذلك على الطراز الهلنستي اليوناني والروماني.[وب 3] تشمل هذه الأعمال التماثيل الكاملة والتماثيل النصفية والنقوش والعملات المسكوكة،[وب 3][277] بالإضافة إلى النقوش القديمة المنحوتة،[278] مثل تلك التي تصور كليوباترا وأنطوني على الطراز الهلنستي، والمعروضة اليوم في متحف ألتيس في برلين.[وب 4] أنتجت الصور المعاصرة لكليوباترا داخل وخارج مصر البطلمية. على سبيل المثال، كان في معبد فينوس جينيتريكس في روما تمثالٌ كبير من البرونز المذهّب لكليوباترا، وهي المرة الأولى التي يوضع فيها تمثال لشخص حي بجوار تمثال إله في معبد روماني.[279] شيِّد التمثال قيصر وظل في المعبد حتى القرن الثالث الميلادي على الأقل، وربما يرجع الحفاظ عليه إلى رعاية قيصر له، على الرغم من أن أغسطس قيصر لم يزيل أو يدمر الأعمال الفنية في الإسكندرية التي تصور كليوباترا.[280]
عثر على تمثال بالحجم الطبيعي على الطراز الروماني لكليوباترا بالقرب من تومبا دي نيرون، روما، على طول طريق كاسيا، وهو معروض اليوم في متحف بيو كليمنتينو، الذي هو جزء من متاحف الفاتيكان.[وب 4] وفقًا للمؤرخ بلوطرخس في كتابه (حياة أنطونيوس)، هُدمت التماثيل العامة لأنطوني على يد أغسطس قيصر، ولكن حُفظت تماثيل كليوباترا بعد وفاتها. يُنسب هذا الحفظ إلى صديقها أرشيبيوس، الذي قيل أنه دفع لأغسطس قيصر 2000 طالن لإثناءه عن تدمير تماثيلها.[281]
ناقش العلماء منذ خمسينيات القرن العشرين ما إذا كان تمثال فينوس إسكويلين [الإنجليزية] الذي اكتشف عام 1874 على تل إسكويلين في روما والمحفوظ في قصر المعهد الموسيقي بمتاحف الكابيتولين هو تصوير لكليوباترا استنادًا إلى تسريحة شعر التمثال وملامح الوجه والإكليل الملكي الظاهر الذي يلبس فوق الرأس والصل المصري للكوبرا الملتف حول القاعدة.[282] يجادل منتقدو هذه النظرية بأن الوجه الموجود في هذا التمثال أنحف من الوجه الموجود في صورة برلين ويؤكدون أنه من غير المرجح أن تُصور كليوباترا على أنها الإلهة العارية فينوس (أو أفروديت اليونانية).[282] ومع ذلك، صورت كليوباترا على أنها الإلهة إيزيس في تمثال مصري،[283] بينما صورتها بعض العملات المعدنية على أنها فينوس أفروديت.[284] وارتدت كليوباترا زي أفروديت عندما التقت بأنطوني في طرسوس.[285] يُعتقد عمومًا بأن تمثال فينوس إسكويلين [الإنجليزية] هو نسخة رومانية من منتصف القرن الأول الميلادي لنسخة يونانية أصلية من القرن الأول قبل الميلاد من مدرسة باسيتيليس [الإنجليزية].[286]
تشمل العملات الباقية من عهد كليوباترا عينات من كل سنة ملكية تمتد من عام 51 إلى 30 قبل الميلاد.[287] من المؤكد أن كليوباترا هي الملكة البطلمية الوحيدة التي أصدرت عملات معدنية باسمها، ومن المحتمل جدًا أنها ألهمت شريكها قيصر ليصبح أول روماني على قيد الحياة يضع صورته على عملاته المعدنية.[288] كانت كليوباترا أيضا أول ملكة أجنبية تظهر صورتها على العملة الرومانية.[289] العملات المعدنية التي يرجع تاريخها إلى فترة زواجها من أنطوني والتي تحمل صورته أيضًا تصور كليوباترا بأنف معقوف وذقن بارز مشابه جدًا لأنف زوجها.[290] اتبعت ملامح الوجه المتشابهة هذه تقليدًا فنيًا يمثل الانسجام المتبادل بين الزوجين الملكيين.[وب 3]
تختلف ملامح وجه كليوباترا القوية شبه الذكورية في هذه العملات المعينة اختلافًا لافتًا للنظر عن الصور المنحوتة الأكثر سلاسة ونعومة وربما المثالية لها سواء في الأساليب المصرية أو الهلنستية.[وب 3][292] تتشابه ملامح وجهها الذكورية على العملة المسكوكة مع ملامح والدها بطليموس الثاني عشر،[293] وربما أيضًا تلك الخاصة بسلفها البطلمي أرسينوي الثانية (316-260 ق.م.)[وب 3][294] وحتى تصوير الملكات السابقات مثل حتشبسوت ونفرتيتي.[295] من المحتمل (مدفوعًا باعتبارات سياسية) أن تكون صورة أنطوني قد صُمِّمَت لتتوافق ليس فقط مع صورتها ولكن أيضًا مع أسلافها اليونانيين المقدونيين الذين أسسوا السلالة البطلمية، ليتعرف أنطوني على رعاياها بصفته عضوًا شرعيًا في البيت الملكي.[وب 3]
كتبت النقوش الموجودة على العملات باللغة اليونانية، مع اعتماد الحالة الاسمية المميزة للعملات الرومانية بدلاً من الحالة المضافة النموذجية للعملات اليونانية، بالإضافة إلى وضع الحروف وضعًا دائريًا على طول حواف العملة بدلاً من وضعها أفقياً أو عموديًا مثلما جرت العادة عند اليونانيين.[وب 3] تشير هذه الميزات في العملات إلى اندماج الثقافة الرومانية والهلنستية، وربما تحمل أيضا رسالة إلى رعاياها، على الرغم من أن القصد لا يزال غامضًا بالنسبة للعلماء المعاصرين فيما يتعلق بالتفوق الملحوظ لأي من أنطوني أو كليوباترا على الآخر.[وب 3] تجادل ديانا كلاينر بأن كليوباترا في إحدى عملاتها المعدنية المسكوكة بالصورة المزدوجة لزوجها أنطوني، قدمت نفسها أكثر ذكورية من الصور الأخرى وأشبه بملكة عميلة رومانية مقبولة أكثر من كونها حاكمة هلنستية.[296] حققت كليوباترا بالفعل هذه النظرة الذكورية في العملات المعدنية التي سبقت علاقتها مع أنطوني، مثل العملات المعدنية التي ضربت في دار سك العملة في عسقلان خلال فترة نفيها القصيرة إلى سوريا وبلاد الشام، والتي تفسرها جوان فليتشر [الإنجليزية] على أنها محاولة من كليوباترا للظهور مثل والدها وتأكيد نفسها خليفةً شرعيةً لحاكم بطلمي ذكر.[297]
تصور كليوباترا وهي ترتدي إكليلًا ملكيًا وتصفيفة شعر على شكل ثمرة البطيخ على العديد من العملات المعدنية مثل عملة التترادراخما الفضية التي سُكَّت في وقت ما بعد زواج كليوباترا من أنطوني عام 37 قبل الميلاد.[298] تظهر تصفيفة الشعر هذه المقترنة بالإكليل أيضًا في رأسين رخاميين منحوتين محفوظين.[وب 5][299] تصفيفة الشعر هذه مع الشعر المسحوب للخلف على شكل كعكة هي نفس التسريحة التي ظهرت فيها أسلافها البطالمة أرسينوي الثانية وبرنيس الثانية في عملاتهما المعدنية.[300] اكتسبت تسريحة الشعر هذه شعبية بين النساء الرومانيات بعد زيارة كليوباترا إلى روما بين 46-44 قبل الميلاد، ولكن تُخُلِّي عنها للحصول على مظهر أكثر تواضعًا وتقشفًا خلال الحكم المحافظ لأغسطس.[وب 5][301]
من بين التماثيل النصفية ورؤوس كليوباترا الباقية على الطراز اليوناني الروماني تمثالٌ يعرف باسم «كليوباترا برلين» الموجود ضمن مجموعة آثار برلين في متحف ألتيس، يحتوي التمثال على أنف كليوباترا كاملاً، في حين أن تمثال رأس كليوباترا المعروف باسم «كليوباترا الفاتيكان» والموجودة في متاحف الفاتيكان متضرر والأنف فيه مفقود.[302] يحتوي كلا التمثالين (كليوباترا برلين وكليوباترا الفاتيكان) على تيجان ملكية، وملامح وجه متشابهة، وربما كانت ملامحهما تشبه وجه تمثال كليوباترا البرونزي الذي كان موجودًا في معبد فينوس جينيتريكس.[303]
يعود تاريخ كلا الرأسين إلى منتصف القرن الأول قبل الميلاد، وقد عثر عليهما في الفيلات الرومانية على طول طريق أبيا في إيطاليا، اكتُشف تمثال (كليوباترا الفاتيكان) في فيلا كوينتيلي [الإنجليزية].[304] كتب المؤرخ فرانسيسكو بينا بولو أن عملات كليوباترا تقدم صورتها على وجه اليقين، ويؤكد أن الصورة المنحوتة لتمثال كليوباترا برلين تؤكد أن لها شكلًا مشابهًا حيث سُحِب شعرها للخلف على شكل كعكة وزين بإكليل ولها أنف معقوف.[305]
بالجزائر تمثال رأس ثالث لكليوباترا والذي يعتبره العلماء أصلي محفوظة في المتحف الأثري في شرشال.[306] يتميز هذا التمثال بوجود بالإكليل الملكي وبملامح وجه مشابهة لرأسي برلين والفاتيكان، ولكنه يتمتع بتصفيفة شعر مميزة أكثر مما دفع البعض إلى اقتراح أنه قد يصور في الواقع كليوباترا سيليني الثانية إبنة كليوباترا.[307] في متاحف الكابيتولين تمثال آخر لكليوباترا من رخام باريان [الإنجليزية] تظهر فيه وهي ترتدي غطاء رأس النسر على الطراز المصري،[308] اكتشف بالقرب من معبد إيزيس في روما ويعود تاريخه إلى القرن الأول قبل الميلاد، وهو إما من أصل روماني أو هلنستي-مصري.[309]
تشمل التماثيل المنحوتة الأخرى المحتملة لكليوباترا تمثال في المتحف البريطاني بلندن مصنوع من الحجر الجيري، ربما يصور هذا التمثال على وجه الخصوص إمرأة من حاشية كليوباترا أثناء زيارتها لروما بدلاً من كليوباترا نفسها.[وب 5][وب 4] ملامح المرأة في هذا التمثال مشابهة لباقي التماثيل (بما في ذلك الأنف المعقوف الواضح)، لكنها تفتقر إلى التاج الملكي ولها تصفيفة شعر مختلفة.[وب 5][وب 4] ومع ذلك، فإن رأس التمثال المحفوظ في المتحف البريطاني (والذي كان في الأصل جزءًا من تمثال كامل) من المحتمل أنه يمثل كليوباترا في مرحلة مختلفة من حياتها، وقد يكون أيضًا بمثابة اختيار كليوباترا المتعمد للتخلي عن استخدام الرموز الملكية (مثل الإكليل) لجعل نفسها أكثر جاذبية لمواطني روما الجمهورية.[وب 5] يقترح دوان دبليو رولر أن رأس التمثال في المتحف البريطاني، إلى جانب تلك الموجودة في المتحف المصري بالقاهرة، ومتاحف الكابيتولين، والمجموعة الخاصة لموريس نحمن، يتشاركون في ملامح الوجه وتسريحات الشعر مع صورة برلين ولكن يفتقرون إلى الإكليل الملكي، ويقترح أيضا بأن هذه المنحوتات تمثل على الأرجح أعضاء في البلاط الملكي أو حتى نساء رومانيات يقلدن تسريحة شعر كليوباترا العصرية.[310]
عُثر في منزل ماركوس فابيوس روفوس (وهو مواطن روماني) عاش في مدينة بومبيوس بإيطاليا على لوحة جدارية يعود تاريخها إلى منتصف القرن الأول قبل الميلاد. تصور هذه اللوحة الجدارية من الطراز الثاني الإلهة فينوس وهي تحمل إله الحب كيوبيد، وقد عُلقت بالقرب من أبواب المعبد الضخمة. من المحتمل أن يكون هذا العمل الفني يصور كليوباترا باعتبارها فينوس جينيتريكس برفقة ابنها قيصريون.[311] يُعتقد أن زمن رسم اللوحة تزامن مع تشييد معبد فينوس جينيتريكس في منتدى قيصر في سبتمبر 46 قبل الميلاد، حيث نصب قيصر تمثالًا مذهّبًا يصور كليوباترا.[311] ومن المحتمل أن هذا التمثال شكل مصدر إلهام لتمثيلها في أشكال فنية مختلفة، بما في ذلك المنحوتات واللوحات الجدارية الموجودة في بومبي.[312] ترتدي المرأة في اللوحة إكليلًا ملكيًا فوق رأسها، ويشبه مظهرها تمثال (كليوباترا الفاتيكان) المصنوع من الرخام شبهًا لافتًا للنظر، والذي يظهر على خدها الأيسر بعض الكسور وربما تكون ذراع كيوبيد قد كسرت.[313] وضع مالك اللوحة سياجًا حول الغرفة التي تحتويها، ربما كرد فعل على إعدام قيصريون في 30 قبل الميلاد بأمر من أوكتافيان، عندما كان التصوير العام لابن كليوباترا غير مناسب للنظام الروماني الجديد.[314]
مزهرية بورتلان هي مزهرية زجاجية رومانية يعود تاريخها إلى عهد أغسطس قيصر، وهي محفوظة اليوم في المتحف البريطاني، تتضمن المزهرية تصويرًا محتملاً لكليوباترا مع أنطوني.[315] يصور هذا العمل الفني كليوباترا وهي تمسك بأنطوني وتجذبه نحوها بينما يرتفع الثعبان (أي الأفعى) بين ساقيها، وفوقهم يحوم إيروس، وينظر المتفرج أنطون (الجد المزعوم للعائلة الأنطونية) بيأس وهو يشاهد أنطوني يُقاد نحو مصيره المأساوي.[316] ربما يحتوي الجانب الآخر من المزهرية على مشهد لأوكتيفيا الصغرى التي هجرها زوجها أنطوني ولكنها ظلت تحت مراقبة شقيقها الإمبراطور أغسطس قيصر.[316] من المحتمل أن تكون هذه المزهرية قد صنعت قبل عام 35 قبل الميلاد في الوقت الذي أرسل فيه أنطوني زوجته أوكتيفيا الصغرى إلى إيطاليا وبقي مع كليوباترا في الإسكندرية.[317]
يمثل التمثال النصفي المحفوظ في متحف أونتاريو الملكي تمثالًا نصفيًا لكليوباترا على الطراز المصري.[318] يعود تاريخه إلى منتصف القرن الأول قبل الميلاد، وربما يكون أقدم تصوير لكليوباترا كإلهة وفرعون حاكم لمصر.[318] يحتوي التمثال أيضًا على عيون واضحة تتشابه مع النسخ الرومانية للأعمال الفنية المنحوتة في العصر البطلمي.[319] بالقرب من دندرة، مصر، داخل مجمع معبد دندرة، يمكن العثور على صور بارزة على الطراز المصري تزين الجدران الخارجية لمعبد حتحور وتصور كليوباترا وابنها الصغير قيصرون كشخص بالغ وفرعون حاكم يقدم القرابين للآلهة.[320] من الجدير بالذكر أن اسم قيصر قد نقش في نفس الموقع بعد وفاة كليوباترا.[321]
في متحف هيرميتاج في سانت بطرسبرغ تمثالٌ كبير من البازلت الأسود يبلغ ارتفاعه 104 سم (41 بوصة)، كان يُعتقد سابقًا أنه يصور أرسينوي الثانية (زوجة بطليموس الثاني)، لكن الدراسات الحديثة أشارت إلى أن هذا التمثال من المرجح أنه يصور كليوباترا باعتبارها من نسل أرسينوي الثانية، تستند هذه الدراسات الحديثة إلى وجود ثلاثة رموز (على شكل ثعبان) تزين غطاء رأس التمثال، في حين أن أرسينوي الثانية كان معروفًا عنها أنها ترتدي عادةً اثنين من الرموز على غطاء رأسها لترمز إلى سلطتها على كل من مصر السفلى والعليا.[322] تحمل المرأة المصورة في التمثال البازلتي أيضًا زوجين مقسمين من قرن الوفرة (ديكيراس)، وهي سمة لوحظت على العملات المعدنية المرتبطة بكل من أرسينوي الثانية وكليوباترا.[323] يرى برنارد أندريا في كتابه (كليوباترا والقياصرة) أن هذا التمثال البازلتي (مثل غيره من الصور المصرية المثالية للملكة) يفتقر إلى ملامح الوجه الواقعية، ولذلك لا يساهم كثيرًا في فهمنا لمظهر كليوباترا الجسدي.[324] يضيف أدريان غولدزورثي أنه على الرغم من هذه التمثيلات ذات الطراز المصري التقليدي، فمن المحتمل أن كليوباترا كانت ترتدي ملابس مصرية أصلية فقط "ربما لطقوس معينة". بدلًا من ذلك، كانت ملابسها المعتادة هي ملابس الملوك اليونانيين، بما في ذلك عصابة الرأس اليونانية التي تظهر في تماثيلها النصفية اليونانية الرومانية.[325]
في العصر الحديث أصبحت كليوباترا أيقونة للثقافة الشعبية،[277] وهي مكانة شكلتها التمثيلات المسرحية التي يعود تاريخها إلى عصر النهضة وكذلك اللوحات والأفلام.[326] تتجاوز هذه المادة إلى حد كبير نطاق وحجم الأدبيات التاريخية الموجودة عنها من العصور الكلاسيكية القديمة والتي كان لها تأثير أكبر على نظرة عامة الناس إلى كليوباترا من الروايات التاريخية نفسها.[327] وضع الشاعر الإنجليزي في القرن الرابع عشر جيفري تشوسر في قصيدة أسطورة النساء الصالحات [الإنجليزية] كليوباترا في سياق العالم المسيحي في العصور الوسطى.[328] إن تصوير جيفري تشوسر لكليوباترا وأنطوني فارسها اللامع المنخرط في الحب النبيل، قد فسر في العصر الحديث على أنه إما هجاء مرح أو هجاء كاره للنساء.[328]
سلط تشوسر الضوء على علاقات كليوباترا مع رجلين فقط، مصورًا حياة لا تكاد تتوافق مع صورتها كفاتنة، وكتب أعماله جزئيًا كرد فعل على التصوير السلبي لكليوباترا في الأعمال اللاتينية (دي موليريبوس كلاريس) و(دي كاسيبوس فيروروم إليستريوم) للشاعر الإيطالي جيوفاني بوكاتشيو من القرن الرابع عشر.[329] في كتابه (Libretto apologetico delle donne) الصادر عام 1504 كان عالم الإنسانيات في عصر النهضة برناردينو كاتشيانت هو أول إيطالي يدافع عن سمعة كليوباترا وانتقد الوعظ الأخلاقي وكراهية النساء في أعمال بوكاتشيو.[330] غطت أعمال التأريخ الإسلامي المكتوبة باللغة العربية فترة من عهد كليوباترا مثل كتاب (مروج الذهب) للمسعودي في القرن العاشر،[331] على الرغم من أن المسعودي زعم خطأً أن أوكتافيان توفي بعد وقت قصير من انتحار كليوباترا.[332]
ظهرت كليوباترا في المنمنمات في المخطوطات المزخرفة، مثل تصويرها وأنطوني مستلقيين في قبر على الطراز القوطي بواسطة بوكيكوت ماستر [الإنجليزية] عام 1409.[333] بدأ التصوير المنحوت لكليوباترا في الفنون البصرية كشخصية عارية تحاول الأنتحار مع نحاتي القرن السادس عشر بارتولوميو باندينيلي [الإنجليزية] وأليساندرو فيتوريا [الإنجليزية].[334] تشمل المطبوعات المبكرة التي تصور كليوباترا تصميمات لفناني عصر النهضة رافائيل وميكيلانجيلو، بالإضافة إلى نقوش خشبية من القرن الخامس عشر عُثِر عليها في طبعات مصورة لأعمال جيوفاني بوكاتشيو.[335]
في الفنون المسرحية، ألهمت وفاة إليزابيث الأولى ملكة إنجلترا عام 1603، والنشر الألماني للرسائل المزعومة لكليوباترا عام 1606، إلى قيام صموئيل دانيال بمراجعة مسرحيته «كليوباترا» التي صدرت عام 1594 ليعيد نشرها عام 1607.[336] تبعه ويليام شكسبير، الذي عُرضت مسرحيته «أنتوني وكليوباترا» لأول مرة في عام 1608 واعتمد فيها إلى حد كبير على المؤرخ بلوطرخس، وقدمت رؤية بذيئة إلى حد ما لكليوباترا في تناقض صارخ مع الملكة العذراء إليزابيث الأولى في إنجلترا.[337] ظهرت كليوباترا أيضًا في الأوبرا، مثل أوبرا التي قدمها جورج فريدريك هاندل عام 1724 بعنوان «يوليوس قيصر في مصر» والتي صورت علاقة الحب بين قيصر وكليوباترا؛[338] وكتب دومينيكو تشيماروزا أوبرا بعنوان «كليوباترا» لها مضمون مشابهه عام 1789.[339]
خلال العصر الفيكتوري في بريطانيا، ارتبطت كليوباترا ارتباطًا وثيقًا بمختلف جوانب الثقافة المصرية القديمة، واستخدمت صورتها على نطاق واسع في تسويق المنتجات المنزلية المتنوعة، بما في ذلك مصابيح الزيت والمطبوعات الحجرية والبطاقات البريدية والسجائر.[340] صورت الروايات الخيالية مثل رواية كليوباترا (1889) للكاتب هنري رايدر هاجارد ورواية إحدى ليالي كليوباترا [الإنجليزية] (1838) لتيوفيل غوتيه كليوباترا على أنها شرقية حسية وصوفية، في حين كانت رواية كليوباترا (1894) لعالم المصريات جورج إيبرس أكثر رسوخًا في الدقة التاريخية.[341] أنتج الكاتب المسرحي الفرنسي فيكتورين ساردو [الإنجليزية] والكاتب المسرحي الإيرلندي جورج برنارد شو مسرحيات عن كليوباترا، بينما عرضت العروض الهزلية [الإنجليزية] مثل مسرحية أنطوني وكليوباترا للمخرج فرانسيس كاولي برناند [الإنجليزية] صورًا ساخرة لكليوباترا تربطها بالبيئة التي عاشت فيها مع العصر الحديث.[342]
اعتبرت مسرحية شكسبير (أنتوني وكليوباترا) قانونية في العصر الفيكتوري،[343] وأدت شعبيتها إلى اعتقاد خاطئ بأن لوحة لورنس ألما تاديما التي رسمها عام 1885 تصور لقاء أنطوني وكليوباترا على متن مركبها الترفيهي في طرسوس، على الرغم من أن لورينس تديما كشف في رسالة خاصة أن اللوحة تصور اجتماعًا لاحقًا لهما في الإسكندرية.[344] استند صموئيل باربر إلى مسرحية شكسبير لإنتاج أوبرا بعنوان أنتوني وكليوباترا والتي عرضت عام 1966 عند افتتاح دار أوبرا متروبوليتان.[345] في قصته القصيرة غير المكتملة عام 1825 بعنوان (الليالي المصرية)، نشر ألكسندر بوشكين ادعاءات المؤرخ الروماني في القرن الرابع أوريليوس فيكتور التي تجاهلها المؤرخون سابقًا إلى حد كبير، بأن كليوباترا مارست الدعارة لرجال دفعوا حياتهم مقابل ممارسة الجنس.[346] أصبحت كليوباترا أيضًا موضع تقدير خارج العالم الغربي والشرق الأوسط، إذ كتب الباحث الصيني ين فو في عهد أسرة تشينغ سيرة ذاتية موسعة لها.[347]
يعتبر فيلم جورج ميلييس بعنوان (سرقة قبر كليوباترا [الإنجليزية] (بالفرنسية: Cléopâtre)) وهو فيلم رعب فرنسي صامت أنتج عام 1899 أول فيلم يصور شخصية كليوباترا.[348] تأثرت أفلام هوليوود في القرن العشرين بوسائل الإعلام الفيكتورية السابقة، مما ساعد في تشكيل شخصية كليوباترا التي لعبت دورها الممثلة ثيدا بارا في فيلم كليوباترا (1917)، وكلوديت كولبيرت في فيلم كليوباترا (1934)، وإليزابيث تايلور في فيلم كليوباترا (1963).[349] بالإضافة إلى تصويرها ملكةً «مصاصة دماء»، قدمت بارا شخصية كليوباترا أيضًا بدمج مجازات مألوفة من الرسم الاستشراقي في القرن التاسع عشر، مثل السلوك الاستبدادي الممزوج بالجنس الأنثوي الخطير والصريح.[350]
كانت شخصية كليوباترا التي أدتها كلوديت كولبيرت بمثابة نموذج ساحر لبيع المنتجات ذات الطابع المصري في المتاجر الكبرى في ثلاثينيات القرن العشرين، مستهدفة رواد السينما من الإناث.[351] قدمت المجلات النسائية في أوائل الستينيات إرشادات عن كيفية استخدام المكياج والملابس والمجوهرات وتسريحات الشعر لتحقيق المظهر المصري المشابه للملكتين كليوباترا ونفرتيتي استعدادًا للفيلم الذي تلعب فيه إليزابيث تايلور دور كليوباترا.[352] وبحلول نهاية القرن العشرين، أُنتج ثلاثة وأربعون فيلمًا، ومائتي مسرحية ورواية، وخمسة وأربعين أوبرا، وخمسة عروض باليه مرتبطة بكليوباترا.[353] أما عربيًا فقد جسدت الممثلة السورية سلاف فواخرجي دور الملكة كليوباترا في مسلسل يحكي قصة حياتها عام 2010 من إخراج زوجها السابق وائل رمضان.[وب-عر 1]
في حين أن الأساطير حول كليوباترا لا تزال مستمرة في وسائل الإعلام الشعبية، فإن جوانب مهمة من حياتها المهنية غالبًا ما تمر دون أن يلاحظها أحد إلى حد كبير مثل قيادتها للقوات البحرية وأعمالها الإدارية. من المرجح أن بعض المنشورات المنسوبة إليها في مجال الطب اليوناني القديم هي على الأرجح من عمل طبيبة تحمل نفس الاسم (كليوباترا الطبيبة [الإنجليزية]) عاشت في أواخر القرن الأول الميلادي.[354] سلطت الكاتبة والباحثة الأمريكية إنغريد د. رولاند الضوء على عبارة «برنيكي التي تدعى كليوباترا» التي ذكرتها الطبيبة الرومانية ميترودورا [الإنجليزية] في القرن الثالث أو الرابع بأنها من المحتمل أن تكون نتيجة لخلط علماء العصور الوسطى بالخطأ بين هوية برنيكي وكليوباترا.[355]
لم يتبق سوى أجزاء من كتابات كليوباترا الطبية والتجميلية، بما في ذلك تلك التي احتفظ بها جالينوس. تحتوي هذه الأجزاء على علاجات لحالات مثل أمراض الشعر والصلع والقشرة، بالإضافة إلى قائمة الأوزان والمقاييس للأغراض الصيدلانية.[356] نسب الطبيب اليوناني أيتيوس (طبيب روماني) [الإنجليزية] وصفة للصابون المعطر إلى كليوباترا، في حين احتفظ بولس الأجانيطي بتعليماتها المزعومة لصبغ الشعر وتجعيده.[357]
تنتمي كليوباترا إلى سلالة البطالمة اليونانية المقدونية[358] التي تنحدر أصولهم الأوروبية من شمال اليونان.[359] يعود نسبها من خلال والدها بطليموس الثاني عشر إلى اثنين من رفاق الإسكندر الأكبر المقدوني البارزين: الجنرال بطليموس الأول مؤسس المملكة البطلمية في مصر، وسلوقس الأول اليوناني المقدوني مؤسس الإمبراطورية السلوقية في غرب آسيا.[360] يمكن تتبع نسب كليوباترا من جهة الأب تتبعًا موثق جيدًا، في حين أنَّ هوية والدتها غير مؤكدة.[361] من المفترض أنها كانت إبنة كليوباترا الخامسة (شقيقة بطليموس الثاني عشر وزوجته) والتي سبق لها أن أنجبت ابنتهما برنيكي الرابعة.[362]
من المؤكد أن كليوباترا الأولى هي العضو الوحيد في الأسرة البطلمية الذي أدخل بعض الأصول غير اليونانية إلى نسله.[363] والدتها لاوديس الثالثة [الإنجليزية] هي إبنة الملك ميثريداتس الثاني، وهو فارسي من سلالة ميثريداتيك [الإنجليزية]، أما زوجته لاوديس [الإنجليزية] فكان لها تراث يوناني-فارسي مختلط. كان أنطيوخوس الثالث الكبير (والد كليوباترا الأولى) من نسل الملكة أباما زوجة سلوقس الأول الإيرانية الصغدية.[363][وب 6] ويعتقد عموماً أن البطالمة لم يتزاوجوا مع المصريين الأصليين.[364] يؤكد مايكل جرانت أنه لا يوجد سوى عشيقة مصرية واحدة معروفة لبطليموس ولا زوجة مصرية معروفة له، مجادلًا أيضًا بأنَّ كليوباترا ربما لم يكن لديها أيُّ أصل مصري وكانت تصف نفسها بأنها يونانية.[365]
كتبت ستايسي شيف [الإنجليزية] أنَّ كليوباترا كانت يونانية مقدونية مع بعض الأصول الفارسية، بحجة أنه من غير المألوف أنْ يكون للبطالمة عشيقة مصرية.[366] يقترح دوان دبليو رولر [الإنجليزية] بأنَّ كليوباترا يمكن أنْ تكون من نسل إمرأة نصف مقدونية يونانية ونصف مصرية من ممفيس في شمال مصر تنتمي إلى عائلة من الكهنة المكرسين لبتاح (وهي نظرية لم تُتَبنَّى على نطاق واسع في الأوساط العلمية) ومع ذلك، يؤكد رولر أنًّ كليوباترا كانت تضع تراثها البطلمي اليوناني في أعلى درجات التقدير بغض النظر عن نسبها.[367] وفقًا للمؤرخ البريطاني إرنلي برادفورد [الإنجليزية] فإن تحدي كليوباترا لروما لم يكن باعتبارها إمرأة مصرية بل باعتبارها يونانية مثقفة.[368]
لا أي دليل قط على أنًّ كليوباترا هي طفلة غير شرعية مثلما ورد في الدعاية الرومانية عليها.[369] سترابو هو المؤرخ القديم الوحيد الذي ادعى أن أطفال بطليموس الثاني عشر الذين ولدوا بعد برنيس الرابعة (بما في ذلك كليوباترا) كانوا غير شرعيين.[370] طُردت كليوباترا الخامسة (أو السادسة) من بلاط بطليموس الثاني عشر في أواخر عام 69 قبل الميلاد بعد أشهر قليلة من ولادة كليوباترا، بينما وُلد أطفال بطليموس الثاني عشر الأصغر سنًا عندما كان الزوجان منفصلين.[371] وتتضح الدرجة العالية من زواج الأقارب بين البطالمة من خلال نسب كليوباترا المباشر، والذي يظهر أدناه عند إعادة بناءه.
تدرج شجرة العائلة الواردة أدناه أيضًا كليوباترا الخامسة باعتبارها إبنة بطليموس العاشر وبرنيكي الثالثة، وهذا من شأنه أن يجعلها إبنة عم زوجها بطليموس الثاني عشر، ومن الممكن أيضا أن تكون كليوباترا الخامسة هي إبنة بطليموس التاسع، ففي هذه الحالة تصبح زوجة بطليموس الثاني عشر وشقيقته.[372] أدت الروايات المشوشة في المصادر الأولية القديمة أيضًا إلى ترقيم العلماء لزوجة بطليموس الثاني عشر على أنها إما كليوباترا الخامسة أو كليوباترا السادسة؛ وربما كانت في الواقع إبنة بطليموس الثاني عشر. يؤكد المؤرخان (فليتشر) و(جون وايتهورن) أن هذه الشكوك يمكن أن تشير إلى وفاة كليوباترا الخامسة عام 69 قبل الميلاد بدلاً من ظهورها لاحقًا كحاكم مشارك مع برينيكي الرابعة عام 58 قبل الميلاد، وهو ما حدث حين نفي بطليموس الثاني عشر إلى روما.[373]
Seamless Wikipedia browsing. On steroids.
Every time you click a link to Wikipedia, Wiktionary or Wikiquote in your browser's search results, it will show the modern Wikiwand interface.
Wikiwand extension is a five stars, simple, with minimum permission required to keep your browsing private, safe and transparent.