علم الآثار الفلكي
من ويكيبيديا، الموسوعة encyclopedia
علم الفلك الآثاري (بالإنجليزية: Archaeoastronomy)، هو دراسة كيف فهم الناس الظواهر السماوية في الماضي وكيف استخدموا هذه الظواهر وما الدور الذي لعبته السماء في ثقافاتهم.[1] أن علم الفلك القديم الذي نستخلصه اليوم من دراسة الأوابد القديمة وكافة الدلائل الآثارية المكتشفة انطلاقاً من معارفنا الحالية في علوم الآثار والرياضيات والفلك... والحق أن هذا الفرع الجديد من تاريخ العلوم خطا خطوات واسعة حققت لنا معارف هامة ودقيقة تتعلق بإنجازات الإنسان القديم في مجال ملاحظاته الفلكية تحديداً، وفي مجالات معارفه الأخرى وفنونه ودياناته بشكل عام. ويختص علم الفلك الآثاري بدراسة كافة الآثار والمعطيات غير المكتوبة التي تركتها لنا الحضارات القديمة والمتعلقة بالرصد الفلكي، كالمعابد والأحجار الضخمة. ولهذا، وبقدر ما يكون العمل ممتعاً في هذا الفرع العلمي بما يقدمه لنا من جوانب ثقافية هامة في حياة الإنسان القديم، فهو أيضاً عمل صعب بسبب ندرة المعطيات من جهة، وكثرة المتطفلين أيضاً الذين يحلو لهم تفسير النتائج بأساليب غير علمية مما يؤدي إلى تشويهها، وفي الحقيقة، فإن تفسير النتائج العلمية المرتبطة بالتاريخ القديم يظل قابلاً لحيّز من الخطأ، ولهذا لا يصح أن نقبل بأي تفسير له، كما لا يجدر بنا أن ننساق وراء المتزمّتين علمياً، الذين لا يقبلون إلاّ بالتفسير الحرفي. ومن هنا، يحاول العلماء المختصون في هذا المجال قدر استطاعتهم الاستعانة بخبرات زملائهم في المجالات الأخرى لكي يتمكنوا من وضع النتائج التي يحصلون عليها في إطارها الصحيح، أي ضمن الإمكانيات الأكثر توافقاً مع الطبيعة الإنسانية ومع المعطيات الفنية والاجتماعية والدينية للشعوب القديمة. وهكذا، يمكن وضع حجر الأساس لدراسة الأساطير القديمة، والدوافع العميقة التي حفزت الإنسان القديم على تحقيق إنجازاته كافة. أما النتائج التي لم يستطع العلماء تفسيرها حتى الآن، فإنهم يعرضونها ضمن الحدود التي يسمح بها المنطق العلمي، ودون طرح فرضيات هوجاء قد تسيء لأصالة هذه الإنجازات مرتين: الأولى من خلال نسبها في كثير من الأحيان إلى حضارات غريبة كما يفعل كتاب كثيرون فيسقطون مضمونها الإنساني، والثانية حين ينتقصون من قدرات الإنسان القديم ولا يحاولون التفكر في القوى والدوافع الحقيقية التي قادته إلى مثل هذه الأعمال العظيمة. ولهذا أريد التنويه إلى أنني لا أهدف لطرح تفسيرات خاصة حول بعض اكتشافات علم الفلك الآثاري، بل سأحاول عرض أهم هذه الاكتشافات تاركاً لكم التأمل فيها وفي مقدرات الإنسان العظيمة.
لمحة تاريخية ==
علم الفلك هو واحد من أقدم العلوم كانت بداية علم الفلك الآثاري مع عالم الفلك الإنكليزي السير جوزيف نورمان لوكيير Joseph Norman Lockyer مكتشف غاز الهليوم في الطبقة الغازية المحيطة بالشمس chromosphire. فأثناء رحلة قام بها إلى اليونان عام 1890، أثار فضوله توجه بعض الصروح التي ترجع إلى العصر الكلاسيكي، حيث كان محور عدد كبير منها يتجه نحو نقاط الأفق التي تشرق أو تغرب الشمس عندها خلال أوقات مميزة من العام. ثم سرعان ما زار مصر وقام بسلسلة هامة من الأبحاث حول اتجاهات الأوابد فيها. وكانت نتائج زيارته هذه فائقة الأهمية مما أدى لإطلاق علم الفلك الآثاري في اتجاهه الصحيح. ومن اكتشافاته المعروفة في مصر أن محور معبد آمون في الكرنك موجّه نحو غروب الشمس عند الانقلاب الصيفي. غير أنه لاحظ انحرافاً بسيطاً في هذا الاتجاه عن الاتجاه الحقيقي المعروف اليوم. وقد فسّر ذلك تفسيراً صحيحاً بتغير ميل فلك البروج السماوي. فنحن نعلم أن الزاوية بين مستوي فلك البروج وخط الاعتدال السماوي تتغير بين 22º و 25º خلال دورة من 41000 سنة تقريباً. وهكذا لاحظ السير نورمان لوكيير بإعادة الحساب أن الشمس كانت تغرب بالضبط يوم الانقلاب الصيفي باتجاه معبد آمون سنة 1700ق م، وأن أشعتها كانت تضيء أقصى الأطراف الداخلية لمعبد آمون. ويتوافق هذا التاريخ تماماً مع التاريخ الذي كان علماء الآثار قد أعطوه بطرق أخرى للمعبد. وهكذا يقدم علم الفلك الآثاري للباحثين طريقة هامة جداً لتأريخ بعض الصروح القديمة بدقة فائقة. ولكن فاته وجود تلال بالغرب تتراوح ارتفاعها ما بين 4º و 10º.
وبعد اكتشافاته الهامة التي حققها في مصر ونشرها في كتابه الرائع «فجر علم الفلك» The Darm of Astronomy، عاد السير لوكيير إلى موطنه حيث كرّس أبحاثه لأوابد ستونهينج، وساعده في ذلك نبروز F.C.Penrox. واستطاع بالطريقة السابقة نفسها تقدير عمر هذه الأوابد وأرجعها إلى عام 1820 بخطأ مقداره 200 سنة. وقد أثبتت التقديرات الحديثة التي أمكن الحصول عليها بالكربون 14 صحة استنتاجاته.
ومع تقدم التقنيات التأريخية والآثارية وتعاظم اكتشافات علم الآثار في معظم أنحاء العالم، نشط الباحثون المهتمون بتاريخ علم الفلك وحققوا نتائج هامة. ونذكر منها جيرالد هوكينز Gerald Hawkins الذي استخدم الحاسوب لدراسة حجارة ستونهينج وكافة احتمالات الاتجاهات الفلكية التي توفرها. وقد طبق هوكينز هذا المنهج ذاته على موقع نازكا في البيرو. ونذكر أيضاً الباحث الكبير ألكسندر توم Alexander Thom، وعالم الفلك ذائع الصيت فرد هويل Fred Hoyl الذي فسر بعض الجوانب الهامة المتعلقة بموقع ستونهينج. وقد لاقت أبحاث علم الفلك الآثاري اهتماماً متزايداً في الولايات المتحدة الأمريكية منذ عقدين من الزمن، ونذكر من العلماء الأمريكيين أنتوني أفني Antony Aveni وجون إيدي John A.Eddy الذي درس منذ نحو عشر سنوات الصروح الغريبة التي بناها هنود أمريكا القدماء، والتي دعيت بعجلات السحرة.
الظواهر التي اهتم بها الإنسان القديم: الحركة الظاهرية للشمس وللقمر
إن طول النهار يرتبط مباشرة بطول مسير الشمس في السماء فوق الأفق. وكلما ازداد طول النهار اقتربنا أكثر من الفصل الحار. ولهذا فثمة علاقة بين المسار اليومي للشمس وتتابع الفصول، الأمر الذي يتعلق مباشرة بالحياة الزراعية.
لو راقبنا يومياً شروق الشمس من نقطة ثابتة فإننا نلاحظ أن النجم يشرق من نقطة تنتقل ببطء وبشكل يومي من الجنوب الشرقي باتجاه الجنوب، وذلك عندما ننتقل بين فصلي الشتاء والصيف. وتكون حركة نقطة الأفق هذه أسرع كلما اقترب الربيع. وفي 20 آذار (مارس) تشرق الشمس بالضبط من الشرق وتغيب تماماً في الغرب، وذلك بعد أن تقطع في السماء قوساً يكافئ تماماً الذي تقطعه تحت الأفق. أي أن طول النهار يكون مساوياً لطول الليل. وهذا هو اليوم المعروف بيوم الاعتدال الربيعي.
وبمتابعة حركة النقطة التي تبزغ منها الشمس في الأفق، نلاحظ أنها تنتقل نحو الشمال ببطء متزايد كلما تقدم الوقت. ويزداد مسير الشمس في النهار طولاً كما ويزداد ارتفاعه في السماء، وترتفع كذلك درجة الحرارة ويقترب فصل الصيف. وفي حزيران (يونيو) تتباطأ حركة نقطة شروق الشمس حتى تتوقف في 21 حزيران (يونيو) يوم الانقلاب الصيفي. وهكذا تنهي الشمس مسيرتها باتجاه الشمال ونراها لعدة أيام تشرق من النقطة نفسها تقريباً. ومع تقدم الصيف تبدأ هذه النقطة بالتراجع ببطء في البداية، ثم بتسارع متزايد نحو الشرق. وفي 22 أيلول (سبتمبر) يكون وضع الشمس مماثلاً تماماً لوضعها في يوم الاعتدال الربيعي، وندعو هذا اليوم بيوم الاعتدال الخريفي، وتشرق فيه الشمس أيضاً من الشرق تماماً وتغرب في الغرب تماماً، ويتساوى فيه الليل والنهار. وفي الخريف تشرق الشمس مقتربة أكثر فأكثر من الجنوب، ويتناقص طول النهار ويطول الليل، ويقل ارتفاع الشمس في السماء كل يوم ويصبح الطقس أكثر برودة. وتتباطأ نقطة اقتراب المشرق من الجنوب كلما اقترب من 21 كانون الأول (ديسمبر)، يوم الانقلاب الشتوي، لتتوقف بضعة أيام في هذا الموضع قبل أن تعاود طريقها في الاتجاه المعاكس.
ولاشك أن الإنسان القديم لاحظ هذه الحركة الدورية، بل ولاشك أنه أقام الاحتفالات والطقوس في عدة مناسبات موافقة لها. لكن هذا الإنسان القديم لم يكن يفكر بطريقتنا اليوم. وبكل بساطة، لم يكن هذا الإنسان أكثر قرباً من الطبيعة، بل كان من الطبيعة ذاتها، وكانت كافة أفعاله صادرة منها ومنسجمة معها. ولهذا، فحتى الاحتفالات الشعائرية التي قد لانرى أي معنى لها اليوم، كانت احتفالات طبيعية تماماً، وكانت نتائجها ملموسة بالنسبة للإنسان القديم. لسنا تماماً مع علماء الفلك الآثاري بقولهم إن هذا الإنسان بنى مراصده الحجرية في البداية لرصد الشمس والقمر، ثم طورها ليرصد نجوم أخرى. بل إن هذا الأمر جاء متأخراً بالنسبة لإنسان كرومانيون الذي لدينا أدلة آثارية على أنه ظل طيلة أكثر من عشرين ألف سنة يراقب السماء ويتواصل معها، ومما يؤكد قولنا هذا أن مراقبة القمر مثلاً تتطلب عشرات بل ومئات السنين لكي يمكن في النهاية ضبط نقاط شروقه وغروبه. ولهذا، فإن غياب معرفة الأقوام البدائية للتدوين ولتسجيل أرصادهم كان ليشكل عائقاً كبيراً على متابعة أرصادهم.
إن حركة القمر الظاهرية بالنسبة للأرض تختلف تماماً عن حركة الشمس الظاهرية. ففترة دوران القمر حول الأرض هي 27.3 يوم، وهو ما يعرف بالشهر النجومي، وهو الشهر الذي يقوم فيه القمر بعمل دورة كاملة بالنسبة للنجوم. ولكن بما أن القمر مرتبط بالأرض التي تدور حول الشمس، فإن مراحل أطوار القمر التي تظهر لنا تتكرر وفق دورة من 29.5 يوم. ويقطع مسار القمر مستوى الكسوف في نقطتين تدعيان بالعقدتين وليس لهما وضعية ثابتة. وتنتقل العقدتان بشكل مستمر لتكملا دورة كاملة كل 18.6 سنة. ولا تحدد هذه الدورة الكسوفات فقط، بل ونقاط شروق القمر عند خط الأفق، وكانت كلها تشكل ظاهرة مميزة بالنسبة للإنسان القديم.
يبلغ القمر أعظم ارتفاع له على الأفق كل 18.6 سنة، وذلك في أبعد نقطة ممكنة له باتجاه الشمال عند مروره بخط الزوال السماوي. ومع ذلك، وبعد 15 يوماً من هذه الظاهرة، نجد القمر في أدنى ارتفاع له وفي أقصى نقطة يظهر فيها باتجاه الجنوب. وتدعى هاتان النقطتان بنقطتي التوقف. وخلال مرحلة قصيرة، يواصل القمر بلوغ الارتفاع نفسه في كل شهر. ولكن مع مرور السنين تتناقص المسافة بين النقطتين الحديتين لظهور القمر، ثم تزداد ببطء حتى تعود إلى بداية دورة جديدة من 18.6 سنة. ومما لا شك فيه أن دراسة هذه الظاهرة ليس بالأمر الهيّن. وهي قد لا تكون ذات أهمية تذكر بالنسبة لشعوب القسم الجنوبي من الأرض، لكن الأمر يختلف تماماً بالنسبة لسكان المناطق الشمالية. ففي بعض المواقع المرتفعة، يظهر القمر عندما يبلغ ارتفاعه الأقصى في نقطة قريبة جداً من نقطة غروبه، وفي بعض الأحيان لا ينزل تحت الأفق طوال اليوم، فيبدو للمراقب كما لو كان يدور حوله. ولا شك أن مثل هذه الظاهرة كانت تشدّ الإنسان الذي يلاحظها، لا بل وتترك في نفسه تأثيراً مضاعفا أقوى من تأثير القمر عليه في حالاته الأخرى. وثمة دلائل كثيرة على أن بعض الأوابد الحجرية الضخمة التي سنتحدث عنها يمكن أن تكون قد سجلت هذه الظاهرة.
إن كافة هذه الظواهر المتعلقة بنقاط شروق الشمس وغروب الشمس والقمر تنتج عن ميلان مستوى البروج (أو الكسوف كما يدعى أيضاً) على مستوى الاعتدال السماوي، والذي يصل اليوم إلى 23º وَ26 . لكن هذه الزاوية ليست ثابتة. ونحو عام 3000 ق.م. مثلاً كانت تساوي 24º و َ1. وهذا النوسان في هذه الزاوية هو الذي يغير مواقع شروق وغروب الشمس والقمر، وهو الذي يسمح لنا اليوم بتأريخ بعض الأوابد والصروح الموجهة. لكن السؤال الكبير الذي سيبقى قائماً بالنسبة لنا هو كيف كان الإنسان القديم يتناقل معارفه وأرصاده عبر الأجيال، ودون استخدام الكتابة. لربما كانت الطريقة الوحيدة التي استطاع بها الإنسان القديم ردم هذه الفجوة عبر آلاف السنين هي رموزه التي تداولها شفاهاً، وأساطيره وفنونه وطقوسه الدينية والاحتفالية.
أقدم الدلائل الآثارية على مراقبة الإنسان للسماء
كان الإنسان القديم خلال العصر الحجرى القديم الأعلى (منذ نحو 30000 سنة) يعيش من الصيد والقطاف والتقاط الثمار، ويصارع قسوة المناخ وينتقل في مساحات واسعة وغابات كثيفة على الحدود الجنوبية للجليديات الضخمة التي كانت تغطي نصف الكرة الشمالي؛ وقد ترك لنا إنسان ذلك العصر شواهد رائعة على مقدراته المتنامية مثل الرسمات الرائعة في مغائر لاسكو Lascaux وفونت دو غوم Font – de – gaume في الدوردون Dordogne الفرنسية أو نيو Niaux في البيرنيه أو ألتاميرا Altamira في إسبانيا. ولا شك أن هذا الإنسان الذي كان يرسم بيد واثقة وبألوان حية كان يتميز يحسّ فني مرهف نما عبر آلاف السنين. أما الأدوات العظمية والحجرية التي تركها لنا، والمنقوشة برسوم وبزخارف مذهلة بواقعيتها، فتؤكد لنا موهبته في مراقبة الطبيعة بأدق تفاصيلها. لقد كان تواصل هذا الإنسان مع الطبيعة، هذا التواصل الذي فقدناه اليوم أو كدنا، يجعل منه مراقباً فذاً بالفطرة، ثم بالضرورة، ثم بالفضول.
لنحاول أن نرى جانب من حياة تلك الأقوام القديمة. ولنتخيل جماعة من الصيادين انطلقت منذ عدة أيام في ملاحقة قطيع من الأيل مبتعدة عن أكواخهم. وبعد اصطياد عدد كاف من الغزلان كان على الجماعة العودة إلى المكان الذي ينتظر فيه الأطفال والشيوخ والنساء. ولا شك أن بعض ملامح الطريق ستساعدهم، لكن لا شك أن نجوم الليل وشمس النهار ستلعب دوراً كبيراً في عودتهم. فإذا كانوا قد تبعوا القطيع مثلاً باتجاه غروب الشمس، فعليهم بالتأكيد العودة باتجاه شروقها. ولابد أنه كان بين الصيادين رجل حاذق تنبه إلى أنه خلال ساعات الليل كان ثمة نجم لامع جداً ثابت بينما تدور النجوم الأخرى حوله. وهذا النجم أيضاً ساعد الجماعة كثيراً على العودة. إنه نجم فيغا Véga (النسر الواقع) الذي كان منذ نحو 15000 سنة ق م قريباً جداً من القطب، والذي كان بالتالي يعين اتجاه الشمال. ولم تكن هذه الدلائل السماوية ثمينة فقط بالنسبة للصيادين، بل وللذين يظلون في أكواخهم أو ملاجئهم، فالأم التي تنتظر مولوداً تريد أن تعرف كم من الوقت تقريباً بقي حتى موعد الولادة. وقد عرف القدماء أن الولادة تتم بعد اكتمال القمر 9 مرات. وكان الشكل الأول للتدوين على الإطلاق هو حز الفرضات على عظم أو قطعة خشبية لعدّ أطوار القمر والأشهر القمرية!
لقد درس عالم ما قبل التاريخ ألكسندر مارشاك Alexander Marshack بعض العظام التي وجدت في أحد كهوف الدوردون. وفي عام 1968 وضع منهجاً لعدد كبير من هذه العظام بشكل إحصائي. وكانت هذه العظام تتميز عن غيرها بالنقاط وبالحزات التي لا تمثل رسماً أو شكلاً معيناً. وكان أول ما لاحظه مارشاك أن سلاسل الحزات أو الفرضات تتكرر بمجموعات من 29 أو 30 إشارة. وتذكر أشكال بعض هذه الحزات بأطوار القمر المختلفة، وقد أثبتت الدراسات الإحصائية لعدد كبير منها فيما بعد ذلك، وبخاصة بعض العظام المماثلة التي وجدت في مورافيا Moravie في تشيكوسلوفاكيا. وبرهنت دراسة مارشاك أن هذه الحزات لم تكن سوى تدوينات لمراقبة ظهور القمر يوماً بيوم. ومع تكرر الظاهرة خلال الأشهر المتتالية، نرى على العظم نفسه الذي نقشت عليه أيام الشهر القمري وأطواره، حزات مختلفة ضمن مجموعة أخرى مميزة، كأنما لتشير إلى تكرار هذه الظاهرة عدداً من المرات. وقد وسع مارشاك دراسته هذه لتشمل مواقع كثيرة، وكان أحد هذه المواقع مثلاً في كينيا في أفريقيا، وهو موقع إيشانغو Ishango (يرجع إلى 8500 عام ق م) على بحيرة تركانا.